المحرمات، أو المستحيلات كالتخليد في الدنيا، أو الاطلاع على الغيب، أو غير ذلك من صور الاعتداء التي تذهب بالخشوع وتفقد الاقتداء بهدي المرسلين، والله يقول مادحًا لأوليائه وأصفيائه: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (?)، وينهى عن الاعتداء في الدعاء ويقول: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (?).
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام جزل طيب في إخفاء الدعاء وعدم الاعتداء فيه، وقد ذكر له فوائد عديدة وأحصى منها عشرًا هي باختصار:
أولها: أنه أعظم إيمانًا؛ لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع الدعاء الخفي.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم، فإذا كانت الملوك لا ترفع الأصوات عندها، فملك الملوك أحرى.
وثالثها: أنه أبلغُ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبُّه ومقصوده.
ورابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
وخامسها: أنه أبلغ في جمعية القلب على الذلة في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرقه.
وسادسها: وهو من النكت البديعة جدًّا أنه دال على قرب صاحبه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، ولهذا أثنى الله على زكريا بقوله عز وجل: {إذ نادى ربه نداء خفيا} فلما استحضر القلب قرب الله عزّ وجل، وأنه أقرب إليه من كل قريب أخفى دعاءه ما أمكنه.