قال أبو عبد الله، والأصمعي: وقد كان جرير أصابته حمرة، فتورّم، وكان رجل من بني أسيد بن
عمرو بن تميم يقال له الأبلق، يرقي من الحمرة، ويداوي. فأتى ابن الخطفى فقال له: ما تجعل لي إن
داويتك حتى تبرأ. قال جرير: أجعل لك إن أبرأتني من وجعي هذا حكمك. قال: فداواه ورقاه حتى
برئ. فقال له جرير: احتكم، فاحتكم عليه الأبلق أن يزوّجه أم غيلان بنت جرير. قال: فزوّجه إياها
وكان جرير وفياً فقال الفرزدق في ذلك:
لَئِن أمُ غَيلانَ أستَحَلّ حَرامَها ... حِمارُ الغَضا مِنْ تَفْلِ ما كانَ رَيّقا
قوله من تفل، يريد تفل عليها بريقه حين رقاها.
فما نالَ راقٍ مثلَها مِنْ لُعابِه ... عَلِمناهُ ممن سارَ غَرباً وشرَقا
ويروى ولو سار غرباً في البلاد وشرّقا.
رَمَتهُ بِمَجموشٍ كأنّ جَبينَهُ ... صَلايَةُ وَرْسٍ نِصفُها قد تَفَلّقا
قوله بمجموش، يعني بمحلوق بالنورة.
إذا بَرَكَتْ لابن الشغورِ ونَوّخَتْ ... على رُكبتيها للبرُوك وألحقا
الشغور التي ترفع رجله. وقوله وألحقا، يعني أوعبه حتى التقى الإسبان. ويروى وأحنقا أي ضمر.
فما مِنْ دِراك فاعْلَمَنّ لِنادِمٍ ... وإنْ صكّ عَينيهِ الحِمارُ وصَفّقا
قوله فما من دراك، يقول: لا يدرك جرير وإن ندم على ما كان من زلله في ابنته أم غيلان، حيث
زوّجها الأبلق، وفعل الأبلق بها ما فعل. وقوله وإن صكّ عينيه، يعني غمضهما وفتحهما.