ألفين وخمسمائة درهم، ونسي ما كان أمر بي لي. قال الفرزدق: فلما دخلت، اعتذرت
إلى أبي كعب من مناداتي باسمه، ولم أناده بكنيته. فقال: صدقت قد والله تمرّد فأخزى الله صحبته.
قال: فلما جاء بها، أبت النوار أن يسوقها كلها، وألحت عليه، فحبس بعضها، وامتار عليها طعوما
وكسى، وما يحتاج إليه أهل البادية، ثم رمى بها الطريق، ومعه أوفى بن خنزير، أحد بني التيم بن
شيبان بن ثعلبة دليله. وقال غيره: إنم نزل عليه حيث وجدها ماتت.
قال أعين: فلما كان في أدنى الحواء والقباب، رأوا كبشاً مذبوحاً. فقال الفرزدق: يا أوفى، هلكت
والله حدراء - تطير من الكبش الفرزدق -. فقال: هذا سبحان الله ما لك بذلك من علم. قال: فجاء
حتى وقف على أبيها زيق في مجلس قومه، فقال له: انزل فهذا البيت، وأما حدراء فقد هلكت -
وكان أبوها نصرانياً - وقد عرفنا في دينكم الذي يصيبك من ميراثها النصف، فهو لك عندنا. قال: لا
والله لا أرزؤك منه قطميراً، وهذه صدُقتها فاقبضها. فقال: يا بني دارم، والله ما شاركنا أكرم منكم
لأصهاركم في الحياة، ولا أكرم منكم شِركة في الممات. وقال الفرزدق في ذلك:
عَجِبتُ لِحادينا المُقَحّم سَيرهُ ... بِنا مُزحِفاتٍ مِنْ كَلال وظُلّعا
قوله المقحم سيره، هو السائر أشد السير يحملها على كل حزن وسهل. قال: والحزن من الأرض ما
خشُن وغلظ، والسهل ما سهُل ولان، وهان على الإبل، السير فيه. ويقال المقحّم الذي يسير مرحلتين
في مرحلة. قال: والمُزحف من الإبل، الذي قد قام من الإعياء فلا يسير وليست به قوة. والظالع
العاتب، يطلع ويعتب أي يعرج.
لِيُدْنينَنا ممّن إلينا لِقاؤهُ ... حبيب ومن دارٍ أردنا لتجمعَا