قال: وذلك للمُثل التي مُثّلت به، فقالوا: لا تزيدوا على دية رجل من المسلمين، فقالوا: إنكم مثّلتم به
مثُلات، فأبى الأحنف، وكان الأحنف إذا قال لا، لم يقل نعم، إذا ظن أنه قد أنصف، قال: فاضطربوا
بالنعال وبالأيدي، وإنما كانوا جاءوا للصلح، قال: ثم تعاودوا السلاح، فاقتتلوا زُمنياً، ثم إن العُمرين
قالا: إن هؤلاء قد كانوا اصطلحوا فتشاجروا، فلو أتينا الأحنف فكلّمناه، وأتينا القوم أجمعين فعسى أن
يتراجعوا، فبدءا بالأحنف، فعظّما الإسلام، وحق الجيران، وقالا أخوالكم وأصهاركم ويدكم على العدو،
قال: فانطلقا فأعقدا على ما أحببتما، وأبعدا عني العار - قال وذلك بأعين الأزد وربيعة - فلما توجّها
قبل ربيعة واليمن، قال الأحنف لعبس: أما إنهم لن يسمعوا منهما، فاعل عليهم الريح، واستعن عليهم
بالتحكيم، فهو أسلس لهم عما وراء ظهورهم. قال: فلما دنوا، رماهما السفهاء فاتقيا بثيابهما وركضا،
حتى وقفا حيث لا ينالهما النشاب والنبل، قال: وصبّ عبس عليهم الخيل فأجلت عن قتل نفير، قال:
فقال ذوو الحِجَى للسفهاء: رميتم رجلين لم يزالا يمشيان في الصلح، قال: وقد أتيا الآخرين فسمعوا
كلامهما، ولم يفعلوا ما فعلتم، ثم ألووا إليهما - يعني أشاروا إليهما - فجاءا فعظما الإسلام، وقالا لهم
مثل ما قالا للأحنف، فقال: قد كنتم تراضيتم بالصلح، فقالوا: لن نقبل لمسعود دون عشر ديات -
وذلك للمثلة التي كانوا مثّلوا به، فقال عمر بن عبد الرحمن لعمر ابن عبيد الله: إن الأحنف قد أبى
هذا عليهم، هَلُمّ فلنحمل تسع دياب، فقال عمر بن عبيد الله: ولم نحملها كلانا؟ إما أن تحملها أنت وإما
أن أحملها أنا.
قال أبو عبيدة: فزعم محمد بن حفص أنه حملها - يعني عمر بن عبيد الله بن معمر - قال: وأما بنو
مخزوم، فزعمت أنهما احتملاها، قال: فرضي القوم، فأتيا الأحنف برضا القوم للحمالة، فرضي، ثم أتيا