لمّا سمعتُ لهُ زمازمَ أجهشتْ ... نفسي إليّ فقلتُ أينَ فراري
فربطتُ جروتها وقلتُ لها اصبري ... وشددتُ في ضيقِ المقامِ إزاري
فلأنتَ أهونُ من زياد عندنا ... اذهبْ إليكَ مخُرمَ السفّارِ
قال أبو عبيدة، فحدثني أعين بن لبطة قال: حدثني أبي شبث بن ربعي الرياحي قال: فأنشدت زياداً
هذه الأبيات، فكأنه رقّ له وقال: لو أتاني لآمنته وأعطيته. فبلغ ذلك الفرزدق فقال:
تذكّرَ هذا القلبُ منْ شوقهِ ذكرا ... تذكّرَ ذكرى ليسَ ناسيها عصرا
تذكَرَ ظمياءَ التي ليسَ ناسياً ... وأنْ كانَ أدنى عهدها حججاً عشرا
وما مُغزلُ بالغورِ غورِ تهامةٍ ... تُراعي أراكاً في منابتهِ نضرا
منَ الأدمِ حوراء المدامعِ ترتعي ... إلى رشا طفلٍ تخالُ بهِ فترا
أصابتْ بأعلى ولولين حبالةً ... فما أستمسكتْ حتى حسبتَ بها كسرا
بأحسنَ من ظمياء يومَ تعرضَتْ ... ولا مُزنةُ راحت غمامتها قصرا
وكمْ دونها من عاطفٍ في صريمةٍ ... وأعداء قومٍ يندرونَ دمي نذرا
إذا أوعدوني عندَ ظمياء ساءها ... وعيدي وقالتْ لا تقولوا لهُ هُجرا
دعاني زيادٌ للعطاء ولم أكنْ ... لآتيهُ ما ساقَ ذو حسّب وفرا