قال: وأخبرنا أبو الحسن المدائني، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله القرشي قال: لمّا قدم الفرزدق

المدينة، نزل على الأحوص بن محمد الأنصاري، فقال ما تحب أن يكون قراك؟ قال: شواء رشراش،

ونبيذ سعير، وغناء حسن. قال: ذاك لك. فأدخله على قينة بالمدينة، فأكل وشرب ثم غنته:

ألا حَيّ الديارَ بسُعدَ إني ... أحبُ لحُبّ فاطمَةَ الديارا

أرادَ الظاعنونَ ليَحزُنوني ... فهاجُوا صَدعَ قلبي فاستطارا

فقال: قاتلكم الله يا أهل المدينة ما أرق أشعاركم، وأحسن مناسبكم. فقيل له: هذا شعر جرير في

هجائك. فقال: قاتل الله ابن المراغة، ما أحوجه مع عفته إلى جزالة شعري، وما أحوجني مع فجوري

إلى رقة شعره.

قال، وقال أبو عبيدة: كان المخبّل القريعي أهجى العرب، بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:

وإنما هو عذاب يصبه الله على من يشاء من عباده، ثم كان بعده حسان بن ثابت رضي الله عنه ثم

الحطيئة، والفرزدق، وجرير، والأخطل، هؤلاء الستة، الغاية في الهجاء، وفي غيره. لم يكن في

الجاهلية، ولا في الإسلام، لهم نظير. وكان جرير أشدهم تكوّما، لم يمدح أحداً فهجاه. ولم يهج أحداً

قط فمدحه. وكان الفرزدق يمدح الرجل ثم يهجوه. وكان حريصاً، شرها، خسعاً مدح بني منقر، ثم

هجاهم. وهم رهط قيس بن عاصم فأما الهجاء فقوله:

وأهونُ عَيبِ المنقَريّةِ أنها ... شديدٌ ببطنِ الحَنظليّ لُصوقُها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015