قال حدثنا أبو عبيدة، قال: لقي الفرزدق جارية لبني نهشل، فنظر إليها نظراً شديداً، فقالت: ما لك

تنظر إلي، والله لو كان لي ألف حر، ما أطمعت واحداً فيك. قال: ولمَ يا لخناء؟ قالت: لأنك قبيح

المنظر، سيئ المخبر فيما أرى. قال: أما والله لو خبرتيني، لعفّى خُبري على منظري. ثم تكشّف عن

مثل ذراع البكر، فتضبّعت له عن مثل سنام الناب، فواثبها فقالت له: أنكاحاً بالنسيّة، هذا سوء

القضية. قال: ويحك ما معي إلا جُبتي أفتقولينك سالبتها. قالت: فاعطني العقال الذي في حقويك.

فأعطاها إياه ثم تسنّمها وقال في ذلك:

لمّا اعتركنا بالفضاء القَفرِ ... حينَ عَلَتنا عالياتُ البُهرِ

ودَبّحَتْ فأضطجعتْ للظهرِ ... أولجتُ فيها كذِراعِ البَكرِ

مُدَملكَ الرأس شديدَ الأسرِ ... زادَ على شِبر ونصفِ شِبرِ

كأنني أولجتهُ في جمرِ ... يُطيرُ عنهُ نفيانَ الشَّعرِ

نفيَ شُعورِ الناس يومَ النحرِ ... تَلّهفتْ حينَ نزحتُ بَحري

وأنسلُ منها مُستهلُ القَطرِ ... تدعُو بِوَيلٍ وبحَرّ صَدرِ

قلتُ لها مَهلا فما من عَكرِ ... جئتُ فلن أرجِعَ طولَ الدهرِ

فحملت منه، فماتت بجُمع بعد ذلك، فقال فيها الفرزدق يبكّيها، ويبكي ولدها:

وغمد سلاح قد رُزئتُ فلم أنُحْ ... عليهِ ولم أبعَي عليه البَواكيا

وفي جوفهِ من دارِم ذو حَفيظةٍ ... لو أنّ المنايا أنسأتهُ لَياليا

ولكنّ رَيبَ الدهرِ يعثرُ الفَتى ... ولا يستطيعُ ردّ ما كانَ جائِيا

وكم مثلهِ في مِثلِها قد وضعتهُ ... وما زِلتُ وَيّاباً أجرُ المُخازيا

ولكن وقاني ذو الجلالِ بقُدرةٍ ... شرورَ زواني الناس إذ كنتُ زانيا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015