(وَهُمْ مَعَ ذَلِك معدودون فِي الصَّحَابَة لما نالوه) أَي حصل لَهُم (من شرف الرُّؤْيَة) الأولى: من شرف اللُّقِيِّ على مَا تقدم. ثمَّ اعْلَم أَن الْمَسْأَلَة خلافية، فَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَمثله للْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه: مَن صَحبه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَنَةً أَو شهرا، أَو يَوْمًا، أَو سَاعَة، أَو رَآهُ، فَهُوَ من الصَّحَابَة، وَلَا يدْخل فِيهِ الْأَعْمَى الَّذِي جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم مُسلما وَلم يَصْحَبهُ وَلم يجالسه.
وَقَالَ أَصْحَاب الْأُصُول: هُوَ مَن طَالَتْ مُجَالَسَته لَهُ على طَرِيق التبع [لَهُ] وَالْأَخْذ عَنهُ، فَلَا يدْخل مَن وَفَدَ عَلَيْهِ وَانْصَرف بِدُونِ مُكْث، وَقَالَ الآمِدي: الْأَشْبَه أَن الصَّحَابِيّ من رَآهُ، وَحَكَاهُ عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَأكْثر أَصْحَابنَا، وَاخْتَارَهُ ابْن الْحَاجِب لِأَن الصُّحْبَة نعم الْقَلِيل وَالْكثير.
قَالَ أَبُو بكر بن الطّيب [الباقلاني] : لَا خلاف بَين أهل اللُّغَة أَن الصَّحَابِيّ مُشْتَقّ من الصُّحبة، جارٍ على كل مَن صَحِب غَيره قَلِيلا أَو كثيرا، وَهَذَا يُوجب فِي حكم اللُّغَة أجزاءه على من صحب النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَو سَاعَة، قَالَ: وَمَعَ هَذَا فقد تقرر للْأمة عرفٌ فِي أَنهم لَا يستعملونه إِلَّا فِيمَن كُثَرت صُحْبته، وَكَذَا قَالَ الْخَطِيب أَيْضا: لَا خلاف بَين أهل اللُّغَة أَن الصُّحبة الَّتِي اشْتُقِّ مِنْهَا الصَّحَابِيّ لَا تحدّ بِزَمن، بل تَشْمَل صُحْبَةَ سنة، وصُحْبَة سَاعَة.