الْغَايَة نَحْو قَوْله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تُبَاعُ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُزْهِيَ ". قيل: وَهَذَا الْجَوَاز للْعَالم إِنَّمَا هُوَ إِذا ارْتَفَعت مَنْزِلَته عَن التُهَمَة، فَأَما من رَوَاه تامّاً فخاف إِن رَوَاهُ ثَانِيًا نَاقِصا، أَن يُتَّهم بِزِيَادَة فِيمَا رَوَاهُ أَولا، أَو بنسيانٍ لِغَفْلَتِه وقلةِ ضَبطه فِيمَا رَوَاهُ ثَانِيًا، فَلَا يجوز لَهُ النُّقْصَان ثَانِيًا، وَكَذَا لَا يجوز للمتهم ابْتِدَاء [119 - أ] الاقتصارُ على بعضه، إِذا كَانَ قد تعيَّن عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ بِتَمَامِهِ، لِئَلَّا يخرج بذلك عَن حَيَّز الِاحْتِجَاج.
وَأما تقطيع مُصَنف الحَدِيث الواحدّ، وتفريقه فِي الْأَبْوَاب للاحتجاج بِهِ فِي الْمحَال المتفرقة المتنوعة، فَهُوَ إِلَى الْجَوَاز أقرب، وَقد فعله الْأَئِمَّة: كمالكٍ، وَأحمد، وَأبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَغَيرهم.
وَحكى الخَلاَّل عَن أَحْمد أَنه يَنْبَغِي أَن لَا يفعل، وَكَذَا حكى عَنهُ أَنه قَالَ: يَنْبَغِي أَن يحدث بِالْحَدِيثِ وَلَا يغيِّره. وَقَالَ ابْن الصّلاح: لَا يَخْلُو ذَلِك عَن كَرَاهَة. قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَفِي قَوْله نظر، وَلَعَلَّ وَجهه أَنه لَا فرق بَين الرِّوَايَة والاحتجاج كَمَا يُشْعِر بِهِ كَلَام السخاوي فِي شرح التَّقْرِيب، وَهَذَا احتجاج، والاحتجاج بِبَعْض الحَدِيث جَائِز؛ لدلالته على الحكم المستقل.