وَإِنَّمَا نفى أَن يكون أحد أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ فِي الصدْق، وَلم ينف أَن يكون فِي النَّاس مثله فِي الصدْق، وَإِلَّا لَكَانَ أصدق من الصِّديق [رَضِي الله عَنهُ] ، وَلَيْسَ كَذَلِك بل قُصارى أمره الْمُسَاوَاة لَهُ. وَلَو أَرَادَ [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لقَالَ: أَبُو ذَر أصدق من كل مَا أقَلّتْ ...
وَأما قَول شَارِح: وَيُمكن أنْ يُقَال: إِن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أورد كَلَامه على اللُّغَة لَا العُرْف، وَإِلَّا لَكَانَ أَبُو ذَر أصدق من النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَكَذَا من الصّديق، فغفلة عَظِيمَة، بل زلَّة جسيمة [49 - ب] / 37 - أ / لِأَن أَبَا ذرّ لَا يَصح أَن يُسَاوِي صدقه صدقَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْإِجْمَاع، فَهُوَ وَسَائِر الْأَنْبِيَاء مُسْتَثْنى عقلا وَشرعا، وَيُرَاد الحَدِيث أَنه أصدق مِن أقرانه كَمَا أنّ كَلَام [الله تَعَالَى] مُسْتَثْنى فِي كَلَام النَّيْسَابُورِي، وَإِلَّا فَيلْزم الْمُسَاوَاة قطعا وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع.
وَقَالَ البِقَاعي: الْحق أَن هَذِه الصِّيغَة تَارَة تُستعمل على مُقْتَضى أصل اللُّغَة، فتنفي الزِّيَادَة فَقَط، وَتارَة على مُقْتَضى مَا شاع من الْعرف فتنفي الْمُسَاوَاة. وَمثل قَول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " مَا طَلَعَتْ شمسٌ، وَلَا غَرَبَتْ على أَحَدٍ ... " الحَدِيث، وَإِن كَانَ ظَاهره نفي أَفضَلِيَّة الْغَيْر لكنه إِنَّمَا ينساق لإِثْبَات أَفضَلِيَّة الْمَذْكُور.
والسِّرُّ فِي ذَلِك أنّ الْغَالِب فِي كل اثْنَيْنِ هُوَ التَّفَاضُل دون التَّسَاوِي، فَإِذا نُفي أَفضَلِيَّة أَحدهمَا ثَبت أَفضَلِيَّة الآخر. وبمثل هَذَا ينحلُّ الْإِشْكَال الْمَشْهُور على قَوْله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " مَنْ قَالَ حينَ يُصْبحُ، وَحين يُمْسِي: سُبْحَاَن اللهِ