وأما السن الذي إذا بلغه المحدث أمسك عن التحديث فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف، ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه، والناس في بلوغ هذا السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم، وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية، بعض الناس اعتاد ألا يحدث الناس إلا من كتاب فإذا عمي ضاع، مثل هذا يمسك، انتهى.
وقال الرامهرمزي: "أعجب إلي أن يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم، فأن كان عقله ثابتاً، ورأيه مجتمعاً، يعرف حديثه ويقوم به، وتحرى أن يحدث احتساباً رجوت له خيراً" ووجه ابن الصلاح ما قاله الرامهرمزي: أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال، وألا يفطن له إلا بعد أن يختلط، ألا يفطن لهذا الشيخ إلا بعد أن يختلط كما أتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة، قال ابن الصلاح: "قد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن -يعني بعد الثمانين إلى تسعين بل إلى مائة- حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق، وصحبتهم السلامة منهم: أنس بن مالك" يعني مات عن مائة وثلاثة سنين أنس بن مالك، "سهل بن سعد عبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن عيينة، وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين، وفيهم غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة، منهم: الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو أسحق الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري وغيرهم".
من آداب المحدث: ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه، وهذا بخلاف ما نراه من التطاول على الكبار، تجد في بلد فيه الكبار ويتصدى لإقراء الناس مع وجود الكبار وعدم الاحتياج إليه، مثل هذا لا يحدث بحضرة هؤلاء، يعني من الأدب ألا يحدث بحضرة هؤلاء، نعم إن احتيج إليه، والبلد بحاجة إلى أكثر من شخص يتصدر وأجره على الله، ألا يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء، وزاد بعضهم: فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك، قال ابن معين: "إن الذي يحدث في البلدة وفيها من هو أولى منه بالتحدث فهو أحمق".