شرح نخبه الفكر (صفحة 398)

الثاني: من آداب المحدث: أن يجلس للتحديث عند التأهل والاحتياج إليه، قال ابن الصلاح: "وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب للرواية، والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان، اختار الرامهرمزي في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد، قال: "وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نبئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقله، ويجود رأيه"، وأنكر القاضي عياض ذلك على بن خلاد الرامهرمزي وقال: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله؟ " يعني ينتظر إلى أن يصل الخمسين قد يموت قبل الخمسين، النووي مات وعمره ستة وأربعين، ينتظر إلى أن يبلغ الأربعين ومن يؤمنه إلى بلوغ الأربعين؟! قد يكون الناس بحاجة إليه ماسة، لا يوجد في البلد غيره وعمره ثلاثون، نقول: انتظر عشر سنوات إلى أن تنضج؟ لا، يقول -قال القاضي عياض-: "كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينتهِ إلى هذا السن ومات قبله، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى، هذا عمر بن عبد العزيز توفى ولم يكمل الأربعين، وسعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين، وكذلكم إبراهيم النخعي، وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين، وقيل: ابن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه أحياء، كذلك محمد بن إدريس الشافعي قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة، واتنصب لذلك، والله أعلم".

لكن المعول في ذلك على التأهل والحاجة، إذا وجدت الحاجة مع التأهل تعين عليه أن يجلس لإفادة الناس، حمل ابن الصلاح ما ذكره الرامهرمزي على من يتصدى للتحديث ابتداءً من نفسه من غير براعة في العلم، وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015