الأمر الثاني: أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يعمل بالظاهر، ويتبرأ من علم الباطن ((هلا شققت عن قلبه؟ )) يعني لما قال: "لا إله إلا الله" في الظاهر، قال له الصحابي: "إنه إنما قالها معتصماً بها من السيف" قال: ((هلا شققت عن قلبه؟ )) يعني عليك أن تحكم بالظاهر، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [(101) سورة التوبة] في الحديث: ((هلا شققت عن قلبه؟ )) ولذا قال النووي: "الأصح قبول رواية المستور" والراجح -والله أعلم- قبول رواية المستور، يعني نحن مكلفون برد خبر الفاسق، إننا ما عندنا فسق الآن، ظاهره في العدالة ولسنا مكلفين بالحكم على الباطن، وإنما نحن مكلفون بالحكم على الظاهر، والراجح قبول رواية المستور لقوة الأدلة على قبوله، ويجاب عما استدل به أصحاب الرأي الأول: بأن سبب التثبت هو الفسق فإذا انتفى الفسق كما هنا انتفى وجوب التثبت.
بقيت مسألة وهي: أن الجهالة إذا حكم على الراوي بها، تجدون في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: سألت أبي عن فلان فقال: "مجهول" في أكثر من ألف وخمسمائة راوي قال عنه أبو حاتم: "مجهول"، وتبعه الذهبي في كثير من هؤلاء الرواة، وفي كتب الرجال كلها الحكم على كثير من الرواة بالجهالة، هل الجهالة الموجودة في هذه الكتب جرح أو هي عدم علم بحال الراوي؟ هل هي جرح أو عدم علم بحال الراوي، نعم؟ يأتي في مراتب الجرح والتعديل أن المجهول من ألفاظ الجرح، المجهول من ألفاظ الجرح، ويأتينا في النخبة قول الحافظ: ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح وليست منه، وليست بقسم من الجرح، يقول أبو حاتم في كثير من الرواة: "فلان مجهول، أي لا أعرفه"، فمقتضى هذا أنها عدم علم بحال الراوي، لكن مقتضى صنيعهم وإدخالهم لفظ المجهول في مراتب الجرح يدل على أنه جرح.