قال المصنف رحمه الله: [وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة] الضرورة تقدر بقدرها؛ فليس له أن يزيد على قدر ما يدفع به ضرورته، فإذا أكل الميتة فليس له أن يأكل حتى يشبع، بل يأكل بقدر ما يحصل به قيام بدنه من غير شبع، ولذا قال الله جل وعلا: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة:173]، والباغي هو الذي يريد أكل الميتة مع أنه يمكنه أن يستغني عنها بغيرها، والعادي هو الذي يأكل ما يزيد على دفع ضرورته.
إذاً: يأكل بقدر ما يدفع ضرورته؛ لكن إذا قال: إني يغلب على ظني أني لا أجد شيئاً أمامي وأنا أريد أن أمشي في الصحراء، فله أن يأكل حتى الشبع، أو أن يحمل منها، وذلك لأنه إذا منع فقد لا يجد في طريقه شيئاً فيهلك.
إذاً: ليس له أن يأكل حتى الشبع إلا إذا كان يقول: أنا لا أدري هل أجد شيئاً أم لا، أما إذا كان يغلب على ظنه أنه يجد أو يتيقن أنه يجد الطعام عند حاجته بعد ذلك فليس له أن يأكل فوق حاجته.
وكما أن الضرورة تقدر بقدرها فالحاجة أيضاً تقدر بقدرها، فالطبيب إذا أراد أن يكشف موضعاً من بدن المرأة يحتاج إلى علاج فإنه يقدر هذا بقدره ولا يزيد، فإذا كان الداء بوجهها فليس له أن يكشف شعرها بل يكتفي بكشف الوجه، وكذلك الشاهد ينظر من المرأة ما يحتاج إليه فقط ولا يزيد.