قال المصنف رحمه الله: [وليس واجب بلا اقتدار ولا محرم مع اضطرار] هذا البيت اشتمل على قاعدتين: الأولى: لا واجب مع العجز.
والقاعدة الثانية: لا محرم مع الضرورة.
فنقول: لا واجب مع العجز، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منهم ما استطعتم).
فلا واجب مع العجز، فمن كان لا يقدر على الصلاة قائماً فإنه يصلي قاعداً، قال عليه الصلاة والسلام: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، رواه البخاري.
كذلك إذا كان يقدر لكن تلحقه مشقة شديدة، بحيث إنه يخاف أن يستمر مرضه أو أن يتأخر برؤه، فله كذلك أن يصلي قاعداً.
ومن فروع هذه المسألة أيضاً -لا واجب مع العجز- ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من أن المنفرد إذا لم يجد فرجة يصلي خلف الصف وحده وتصح صلاته؛ لأنه يعجز عن أن يصلي في الصف، فإن كان يجد فرجة وتركها فصلى خلف الصف لم تصح صلاته.
أما القاعدة الثانية فهي: لا محرم مع الضرورة: فالضرورات تبيح المحرمات، فإذا اضطر المكلف لفعل المحرم بحيث إن ضرورته لا تندفع إلا به، فلا حرج عليه أن يأتيه، كأن يأكل الميتة في مفازة من الأرض ليس فيها طعام يأكله، ويخشى أن تتلف نفسه وليس عنده ما يغنيه عن الحرام.
فلو كان عنده ما يكره من الطعام فليس له أن يأكل الميتة، بل يأكل المكروه ويترك المحرم؛ لكن هذا لا يجد شيئاً يدفع به ضرورته فنقول: له أن يأكل الميتة: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:173].
كذلك: إذا غص بالطعام فلم يجد ما يزيل به هذا الغصة إلا جرعة من خمر فلا حرج عليه؛ لأن هذه ضرورة، ولا محرم مع الضرورة.
لكن إذا كان يمكنه أن يستغني بمكروه أو بمباح، كأن وجد رجلاً يقرضه مالاً يشتري به طعاماً والطعام موجود، أو وجد من يقرضه الطعام، فنقول: إنه ليس له أن يأكل الحرام ما دام يمكنه أن يستغني بالحلال المباح أو المكروه.