من المسائل أيضاً: أن النية شرط للعمل الصالح، أي: العبادة: وعلى ذلك فإذا كان العمل ليس بعبادة لم تشترط له النية، فليست شرطاً فيما ليس بعبادة من العمل، مثل قضاء الدين فليس بعبادة، وإن كان إذا نوى العبادة فيه أثيب.
وعلى ذلك فلو أنك ذهبت إلى غريم صاحبك، فقلت: خذ هذا المال عن الدين الذي لك في ذمة صاحبي، فأخذه برئت ذمة صاحبك مع أنه لم ينو قضاء الدين ومع ذلك فإنها تبرأ.
أما العبادة فلابد فيها من نية، فمثلاً: هذا رجل ذهب إلى جمعية لأمر فوجد أن عندهم صدقة فطر، فأعطاهم ألف ريال عن مائة نفس، عشر ينفق عليها وتسعون لا ينفق عليها، لكنهم من أصحابه وإخوانه الذين لا ينفق عليهم، ثم أخبرهم وقال: إني قد أخرجت عنكم صدقة الفطر، فهل يجزئ ذلك؟
صلى الله عليه وسلم لا يجزئ، لأن صدقة الفطر عبادة، لابد أن ينويها من يخرجها، لكن أولادك الذين تنفق عليهم وكذلك امرأتك التي تنفق عليها تكفي نيتك؛ لأن الصدقة واجبة عليك أنت، لأنك أنت الذي ينفق.
هذا رجل آخر أتاه جباة الزكاة، فقالوا: إن عليك في مالك كذا، فأعطاهم إياه وقالوا: لمن هذا المال؟ قال: هذا لأخي، قالوا: إن عليه كذا، فأعطاهم عنه من ماله، فنقول: يجزئ حتى ينوي أخوه لأنها زكاة، لكن لو أخذها الجباة من مال أخيك، فهؤلاء قد أخذوها من ماله، فهم جباة وقد أخذوا الحق ممن هو عليه فيجزئ، لكن عندما تتبرع أنت لأخيك فتقول: هذه زكاة عني وهذه زكاة عن أخي، فنقول: لابد أن ينوي، لأن النية شرط لسائر العمل، بها الصلاح والفساد للعمل.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.