وأما النوع الثالث وهو: التأويل عند المتأخرين صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل، وهذا قد شاع في كتب التأويل التي هي بمعنى التحريف في باب المعتقد يسمون التحريف بغير اسمه فيقول: هذا تأويل. من باب تنميق وتحسين العبارة ويحدونه بماذا؟ بصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل لدليلٍ يجعله صحيحًا فإن لم يكن لدليل حينئذٍ يكون من باب إتباع الهوى إذًا عرفنا قوله: (لا تَأْوِيْلَهُ فَحَرِّرَا). (لا تَأْوِيْلَهُ) يعني: لا يحرم تأويل القرآن بالرأي إذا كان معتمدًا على قواعد وشروط المفسرين، ويطلق التأويل أيضًا بمعنى التفسير كما هو عادة ابن جرير رحمه الله فيقال: القول في تأويل هذه الآية كيت وكيت. يعني: في تفسير الآية وهذا هو المشهور عند السلف أن التأويل بمعنى التفسير (فَحَرِّرَا) هذه تكملة للشطر أو فخذ الفرق بين التفسير والتأويل محررًا الفرق بينهما والثاني أولى يعني: يجعل للكلمة معنى. (فَحَرِّرَا) إما أن يكون تكملة وإما أن يكون مرادًا به فخذ الفرق بين التفسير والتأويل محررًا، إذًا نقول: الحاصل من هذين البيتين أن المصنف رحمه الله تعالى يرى أن قراءة القرآن بغير اللسان العربي - وهذا مجمع عليه ليس شأن المصنف فقط - أنه يحرم قراءة القرآن بلسان غير عربي. لكن التعبير هذا يصح أو لا؟

إذا قيل: يحرم قراءة القرآن بغير اللسان العربي يصح؟ هو يقول: (بِغَيْرِ لَفْظِ العَرَبِيِّ تَحْرُمُ قِراءَةٌ). نحن نقول: غير ممكن غير مقدور عليه محالاً مستحيلاً فكيف نقول: تحرم؟ عند الأحناف - مضى معنا - أن النهي يقتضي الصحة أليس كذلك؟ النهي عن الشيء يقتضي الصحة قالوا: لولا تصور وقوعه لما تعلق النهي عنه أما ما لا يقع فلا يُنهى عنه، لا يقال للأعمى: أبصر. أو لا تنظر إلى المرأة مثلاً، أعمى تراه أعمى غير مبصر هنا لا يتعلق به النهي يقال: لا تنظر عورة المسلمين. هو لا يمكن أن يُنهى عنه فحينئذٍ كيف نقول هنا؟

نقول: هذا من باب التنزل يعني: لو قيل بترجمة القرآن إلى لسانٍ غير عربي تحرم. يعني: إن تُصور أو تصورت الترجمة حسًا فالحكم الشرعي التحريم إذا تصورت الترجمة حسًا يعني: وقوعها في الوجود فالحكم الشرعي التحريم. والشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في أصول التفسير يقول: قد يحصل في الحس الترجمة لكلمة واحدة. لكن هذا أيضًا يحتاج إلى نظر يعني: قد يقال له: ... {لاَ رَيْبَ}. لا يعرف {لاَ رَيْبَ} قد يأتيك يعرف بعض العربية ولا يعرف {لاَ رَيْبَ} فتأتي بها بلغته حينئذٍ ترجمة له حرفًا بحرف في لغتك {لاَ رَيْبَ} بهذا اللفظ ويوازيها ويساويها عندنا في لغة العرب {لاَ رَيْبَ} يقول: إذا كان كلمة فقط أحيانًا وكذا يقول: لا بأس بها. لكن هذا أيضًا يحتاج إلى نظر هل يوجد كلمة في لغة العرب مساوية للغة أخرى من كل وجه؟ هذا يحتاج إلى إثبات، إذًا عرفنا أن مراده بهذا البيت تحريم القراءة - قراءة القرآن - بغير لسان العرب وتحريم ترجمته هذا إن أمكن وتُصُوِّر في الحسي وإلا فالعقل يمنع الترجمة الحرفية، كذلك يحرم قراءته بالمعنى وهذا يمكن وكذلك تفسيره بالرأي لا تأويله بالرأي المحمود.

ونقف على هذا وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015