وعلى المعنى الثاني الذي هو جَمَعَ، قلنا: قَرَأَ يأتي بمعنى تَلا ويأتي بمعنى جَمَعَ - كما ذكرناه في السابق - إنه يقال: قَرَأْتُ الماء في الحوض. بمعنى: جمعته. أي: جمعته. وعلى المعنى الثاني جَمَعَ فهو مصدرٌ بمعنى اسم الفاعل فالقرآن بمعنى قارئٍ جامع، القرآن جامع، جامعٌ لأي شيء؟ جامعٌ لثمرات علوم الكتب السماوية التي أُنْزِلَتْ قبله وزاد عليها أليس كذلك؟ أليست أصول التوحيد والغيب والإيمان باليوم الآخر موجودة في القرآن؟
إذًا جمع، وموجودة قبل ذلك لأنه متفقٌ عليها بين الأنبياء فهي موجودةٌ في ما سبق وزاد عليها بأمور انفردت بها شريعة النبي صلى عليه وآله وسلم، ولذلك جاء في القرآن {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] {مِن شَيْءٍ} هذا نكرة في سياق النفي وزيدت عليها {مِن} فدل على أنها نصٌ في العموم إذًا {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38].
وعليه فالقرآن أصله مهموز لأن أصله ماذا؟ قَرَأَ سواءٌ كان بمعنى تلا أو بمعنى جَمَعَ لأنه يستعمل في المعنيين تلا، وجمع فيكون القرآن الأصل فيه أنه مهموز أو ليس بمهموز؟
مهموز هذا هو الأصل فيه فإذا قرأ ابن كثير قران نقول على أي جهة؟
على جهة التخفيف أصله قرآن، فخفف بإسقاط حركة الهمز إلى الراء فحذفت الهمزة فصار قران. على الهمز وترك الهمز وزنه فُعْلان مطلقًا سواءً ذكرنا الهمز نطقنا بها أو لم ننطق بالهمزة لماذا؟
لأن الهمز هنا حذفت تخفيفًا يعني: لعلة لغرض. فحينئذٍ صارت كالموجودة فتراعى في الوزن، إذًا وعليه فالقرآن أصله مهموز خُفِّفَ بنقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها ثم حذفت فوزنه فُعْلان، وعلى قول الشافعي رحمه الله تعالى وزنه فُعَال. فرقٌ بين فُعْلان وبين فُعَال، واستشكل البعض باجتماع معرفين وهي: الْعَلَمِيَّة والألف واللام. القرآن، القرآن صار علم على كلام الرب جل وعلا، والعلم معرفة وال المعرفة لا تعرف المعرفة أليس كذلك؟
لا تدخل على المعرفة وإنما تدخل على النكرة
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا
إذًا ضابط النكرة كل ما صَلَحَ لدخول أل عليه والقرآن بدون أل علم على كلام الرب جل وعلا فحينئذٍ نقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]. هذا قرآن أَتَى بأل وهي معرفة وقرآن حيث هو قبل دخول أل هو علم فكيف عُرِّفَ الْمَعْرِفَة؟
فالجواب أن يقال: أمرٌ سهل أن أل هذه زائدة وليست للتعريف، وإنما هي للمح الصفة، لمح الصفة يعني: قبل جعل لكونه منقولاً إذا نُقل الاسم فصار علمًا حينئذٍ صار علمًا إذًا صار تعريفه بالْعَلَمِيَّة فهو نوعٌ من أنواع المعارف إذا أردت الإشارة عند التكلم للدلالة على أنه منقولٌ عن ذاك المعنى تُدْخِلُ عليه أل وهذه الأل زائدة ليست معرفة ولذلك قال ابن مالك: نكرةٌ. رحمه الله قال:
نَكِرَةٌ قَابِلُ أَلْ مُؤَثِّرَا