(مِثَالُ أَوَّلٍ) المثال هو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة. أراد أن يبين لك مثالًا للفصل (مِثَالُ أَوَّلٍ) وهو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15]. {اللهُ} مبتدأ و {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} الجملة خبر، هنا ما عُطِف، لماذا؟ لأنه لو عُطِفَ لتوهم أنه مقول القول أنه تابعٌ له {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} هو ... عن الكفر {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} لو قيل و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} حينئذٍ لتوهم أنه معطوفٌ على مقول القول، دفعًا بهذا الوهم ودفعًا لهذا الإيراد وجب القطع، فقيل {اللهُ} دون عطفٍ {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، (مِثَالُ أَوَّلٍ إِذا خَلَوا) الذي هو الفصل (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) يعني: آخر الآية، وعلة الفصل هنا قيل: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد بإعطائه للثاني لمانع وهو اختلاف القائل فيهما، نعم {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} هذا قائلٌ واحد، و {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} هذا قائلٌ منفكٌ عن الأول، إذًا هما مقولان لقائلين مختلفين، لو عطف بينهما تُوهم أن قائل المقولة الثانية هو عينه قائل المقول الأول، لذلك قال هنا: هو أن الجملة الأولى لها حكمٌ لم يُقصد إعطاؤه للثانية لماذا؟ وهو اختلاف القائل فيهما (وذَاكَ حَيْثُ فُصِلا مَا بَعْدَها عَنْهَا) (وذَاكَ) هذا ما هو ذاك؟ مشار إليه (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) هنا ما جاء معه النظم جيد (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (حَيْثُ فُصِلا) الألف للإطلاق (مَا بَعْدَها عَنْهَا) يعني بعد (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (عَنْهَا) عن إذا خلو إلى آخره (وتِلكَ) أي: الجملة التي فُصلت ما بعدها {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، هذه هي ما بعدها مفصولةٌ عما قبلها، واضح الترتيب هنا؟ فيه ركاكة، ترتيب فيهما مأزق (مِثَالُ أَوَّلٍ) قوله تعالى: {إِذَا خَلَوْاْ} إلى آخرها، ثم قال أراد أن يبن الفاصل والمفصول (وذَاكَ) أي: قوله: (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها) (حَيْثُ فُصِلا) حيث للتقييد. (فُصِلا) يعني: لم يعطف (مَا بَعْدَها)، فصل لم يعطف ما بعدها (مَا بَعْدَها) الضمير يعود إلى (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (عَنْهَا) عن (إِذا خَلَوا إِلى آخِرِها)، (وتِلكَ) المفصولة قوله تعالى: أي ما بعدها {اللهُ} ذكر المبتدأ يعني يتم الآيات {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (إِذْ فُصِلَتْ عَنهَا كَمَا تَرَاهُ) (إِذْ فُصِلَتْ) يعني {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} (عَنهَا) عن قوله: {إِذَا خَلَوْاْ} [البقرة: 14] (كَمَا تَرَاهُ) مفصولاً في القرآن، هذا واضح؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015