الثاني: العام من السنة مطلقًا والخاص من الكتاب دليلان شرعيان نعم دليلاً شرعيان هذا نظر استقراء وتتبع لا يمكن إسقاط هذا النظر، لأن العام الذي هو من القرآن والخاص الذي في السنة دليلان شرعيان كل منهما يثبت به حكم شرعي، إما أن يعمل بهما معًا وإما أن يُطَّرحا معًا وإما أن يقدم العام وإما أن يقدم الخاص على ما ذكرناه والأصح أنه يقدم الخاص على العام، إذًا يقدم الخاص على العام مطلقًا سواءً كان الخاص بالكتاب أو بالسنة قاعدة عامة، الخاص يقدم على العام مطلقًا سواءٌ كان العام من الكتاب أو من السنة وسواءٌ كان الخاص من الكتاب أو من السنة وسواءٌ كانت السنة متواترة أو آحادية.
المذهب الثاني: لا يجوز تخصيص السنة بالكتاب، لماذا؟ يعني: لا يجوز أن يرد اللفظ العام في السنة ويرد مخصصه في القرآن لماذا؟ هذا مذهب بعض الشافعية وبعض المتكلمين قالوا: دليلهم دفع الإيهام لأنك لو جعلت الكتاب مخصصًا للسنة والتخصيص بيان لصار الكتاب مبينًا للسنة والعكس هو الذي جاء به النص فدفعًا لهذا الإيهام قالوا: نمنع ماذا؟ نمنع أن يكون الكتاب مخصصًا للسنة. إذًا دليلهم دفع الإيهام وهو أنه إذا وصف الكتاب بكونه بيانًا للسنة تُوهِّم بأنه تابعٌ للسنة لأن البيان تابعٌ فوجب ألا يجوز دفعًا للإيهام، إيهام من؟
وأجيب بالمنع، نمنع أن يكون ثّمَّ إيهام لأن الله تعالى وصف الكتاب بكونه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]. ومنه السنة ولا إشكال وهذا كان في معرض المدح حينئذٍ لو كان المبين تابعًا للسنة وهنا قد جاء المدح به نقول قد دل الدليل على أنه تابعٌ وهو ممدوحٌ، فحينئذٍ ليس عندنا إيهام يمكن دفعه، فهو مُبَيِّن ومُبَيَّن في كلتا الحالتين هو ممدوح وإذا مدح صار ماذا؟ صار أصلاً ولذلك يمكن أن يدفع هذا الإيهام بماذا؟ بما تقرر في نفوس وخاصة الناظر في التخصيص العام وبأهل العلم بكون القرآن أصلاً هل يمكن أن نقول قائل من أهل العلم وممن يعرف أن هذا تخصيص وهذا مخصص أن يقول: إن السنة هي الأصل مطلقًا في الأحكام الشرعية، هذا لا يرد حتى في حديث النفس، بل القرآن هو الأصل والسنة فرعٌ، والسنة حجيتها ثابتةٌ بالقرآن ولا شك.