المذهب الأول: المنع مطلقًا. والإطلاق هنا يعرف بالمذاهب الآتية وهو مذهب بعض الفقهاء وبعض المتكلمين يعني: لا يجوز أن يخصص القرآن بخبر الواحد مطلقًا ما حجتهم؟ قالوا: إن الكتاب قطعي والسنة ظنية والقطعي لا يخصص بالظن كالنسخ، إذ التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد، التخصيص يشبه النسخ وسبق معنا في القواعد الفروق بين التخصيص والنسخ فلا عودة ولا إعادة، لكن نقول هنا: التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد يعني: رفع، التخصيص فيه رفع والنسخ فيه رفع، لكن التخصيص رفع عن بعض الأفراد، والنسخ رفع في الغالب عن كل الأفراد، إذًا فرق بينهما.
أجيب عن هذه الحجة: بأن خبر الواحد وإن كان ظني الثبوت إلا أن دلالته على معناه أقوى من دلالة العام. لو سُلِّم بأن خبر الواحد من جهة السند ظني الثبوت إلا أنه من جهة الدلالة هو أقوى لأن قوله مثلاً: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة: 228]. دلالته على ذوات الحمل أو الأحمال محتملة، وأولات الحمل هذا نص وأيهما أقوى في الدلالة النص حينئذٍ صار اللفظ أو الخبر خبر الواحد هذا ليس بالسنة كمثال فقط يعني من باب التنظير {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] نقول: هذا خاص دلالته على أولات الحمل أظهر من دلالة {وَالْمُطَلَّقَاتُ} على ذوات الحمل لماذا؟ لأن ذاك اللفظ العام ... {وَالْمُطَلَّقَاتُ} يدل على أولات الحمل احتمالاً وهذا يدل عليها من جهة النص فحينئذٍ صار أقوى إلا أن دلالته على معناه أقوى من دلالة العام إلا أنه غير محتمل وأما العام فيحتمل فيكون راجحًا عليه والعمل بالراجح متعين، وبأن النسخ أشد من التخصيص ولذلك منع الجمهور أن ينسخ القرآن بخبر الواحد وهذا سيأتي معنا، جمهور أهل العلم على المنع والصواب على الجواز كما سيأتي بيانه، لكن من باب ذكر المسألة هنا أن أكثر أهل العلم على منع نسخ القرآن بخبر الواحد وجمهورهم على جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد لماذا؟
لأن النسخ أشد من التخصيص لأنه رفع لكل الحكم وذاك رفع لبعض الحكم عن الأفراد، وبأن النسخ أشد من التخصيص، وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته، لأنك إذا قارنت بين خبر الواحد بأنه ظني والنص القرآني بأنه قطعي نقول: محل التخصيص ما هو؟
الآن العام {وَالْمُطَلَّقَاتُ} من حيث الثبوت قطعي ومن حيث الدلالة ظني أليس كذلك؟ الآن {وَالْمُطَلَّقَاتُ} نقول: من حيث الدلالة قطعي الثبوت ومن حيث الدلالة والمعنى ظني الدلالة حينئذٍ هل يقال بأن الخبر الواحد ظني فلا يقوى على تخصيص القطعي؟ نقول: هو يخصص اللفظ أم يخصص المدلول؟ يخصص المدلول إذًا الاعتراض ليس بوارد، وبأن النسخ أشد من التخصيص وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته ودلالة العام على كل فرد للخصوص ظنية بخلاف ثبوت ذلك العام في القرآن فإنه قطعي هذا مذهب الأول وهو المنع مطلقًا لا يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد مطلقًا.
الثاني: التخصيص بينما خص بقطعي وبينما خص بظني وهذا مذهب كثير من الحنفية. قالوا: إن كان العام في القرآن قد خصص بقطعي يعني: لفظ عام جاءت السنة المتواترة خصصته ثم جاء خبر الواحد وهو ظني فأراد أن يخصص ما خصص بالسنة القطعية المتواترة قالوا: يجوز. لماذا؟