إذًا أثره يجب العمل بدليل التخصيص إذا صح في صورة التخصيص: ... {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ}. نُعمل هذا اللفظ فيما دل عليه اللفظ، ونبقي مدلول العام أو نترك دلالة العام على بقية الأفراد غير صورة التخصيص، فصارت دلالة اللفظ العام على ما أخرج بالنص مهدرة، الصورة داخلة لكنها من حيث الحكم مهدرة واضح؟
(ما خُصَّ مِنهُ) من السنة، (ما) أي: القرآن الذي خُصَّ منه بالسنة، إذا عُلِمَ أن الإجماع منعقد على جواز التخصيص بالجملة حينئذٍ عندنا وحيان كتابٌ وسنة كل منهما يُخَصِّصُ الآخر، الكتاب يُخَصِّصُ السنة مطلقًا سواءً كانت متواترة أم آحادية، والسنة تُخَصِّصُ الكتاب مطلقًا سواءً كانت السنة آحادية أم متواترة ثم الدليل الآخر الذي هو الإجماع والقياس، الإجماع لا شك أنه يُخَصِّصُ الكتاب ويخصص السنة، وأما القياس هذا فمحل نزاع والأصح أنه يخصص. (ما خُصَّ مِنهُ) أي القرآن (بالسنَّةِ) هنا خص السنة لماذا؟
لكونها وحيًا لأنه يتكلم عن الوحي الذي هو القرآن، والسنة وحيًا: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. حينئذٍ أطلق هنا التخصيص تخصيص القرآن بالسنة لهذه الفائدة (ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ) السنة في اللغة سيرةً حميدةً كانت أو ذميمة {سُنَّةَ اللَّهِ} [الأحزاب: 62]. يعني طريقته في المكذبين {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]. ولكل قومٍ سنة وإمامها تطلق السنة على ما يقابل القرآن ومنه حديث مسلم: «يؤم القوم أقرئهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة». السنة هنا مقابلة للقرآن، والمراد بالسنة هنا في اصطلاح الأصوليين ما خُصَّ منه يعني: القرآن بالسنة بأي مفهوم بالسنة هل السنة المقابلة للفرض؟ أم السنة المقابلة للبدعة؟ أم السنة المقابلة للقرآن؟ أم السنة عند الأصوليين وهي أقولٌ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريراته؟
الأخيرة. إذًا المراد بالكتاب هنا ما خص بالكتاب أو الكتاب الذي خص بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بفعله أو بتقريره، (ما خُصَّ مِنهُ بالسنَّةِ) أطلق المصنف هنا السنة فيشمل حينئذٍ المتواترة والآحاد، إذًا يخص الكتاب بالسنة مطلقًا، تخصيص الكتاب بالسنة مطلقًا، أما المتواترة فمحل اتفاق يعني: جائزٌ أن يأتي الدليل العام في الكتاب في القرآن ثم يأتي المخصص من السنة، أما المتواترة إن كان المخصص من السنة سنة متواترة فهذا جائزٌ باتفاقٍ بدليلين: