على أنه يحفظ، ولولا أنه كان أقرأهم لكتاب الله لما قدمه عليهم، وزاد السيوطي تعليلاً على هذا يقول: كيف هو أقدمهم إسلامًا ويحفظه مَنْ بَعْدَه ثلاث وعشرين سنة ما يستطيع أن يحفظ القرآن؟
الجواب: لا، يستطيع حينئذٍ صاروا كم الآن؟
عشرة، ورواية أنس: لم يجمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أربعة. وإذا صاروا عشرة أيضًا هذا قليل جدًا بالنسبة لعدد الصحابة ولذلك استنكر بعضهم حصر العدد في رواية أنس رضي الله تعالى عنه حصر العدد في أربعة، وحتى ما زيد عليه زيد عليه بالاجتهاد يعني قول عبد الله بن عمرو أنه حفظ: جمعت القرآن هذا يمكن أن يؤول، وكذلك أبو بكر الصديق كونه قُدِّمَ من أجل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله». يقول: هذا يمكن تأويله لكن نصًا أنه جُمِعَ أو جَمَعَ القرآن أربعةٌ فقط فهذا استشكله الكثير ولذلك قيل في رواية أنس: لم يجمع القرآن غير أربعة. لا يلزم من ذلك أن لا يكون أحدٌ في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن ففي الصحيح في غزوة بئر معونة أن الذين قُتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم: القراء وكانوا سبعين رجلاً، وإذا قيل قراء على عهد الصحابة والتابعين حينئذٍ صار أنه يحفظ القرآن كله عن ظهر قلب فكيف يقول أنس: غير أربعةٍ.
وجاء أن غزوة بئر معونة قتل فيها سبعون من القراء وقد استنكر جماعةٌ من الأئمة الحصر في الأربعة.
قال المازري رحمه الله تعالى: المازَري والمازِري بفتح الزاي وكسرها قال: لا يلزم من قول أنس: لم يجمعه غيرهم. أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لا يلزم من ذلك أن يكون في نفس الأمر أنه لم يجمعه إلا الأربعة لماذا؟
لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، إنما أخبر عن علمه ومن علم حينئذٍ يقول: قد أخبر بماذا؟ بما يعلم أو من أخبر فإنما أخبر بما يعلم ولا يلزم أن ما لا يعلمه يكون منفيًا بعلمه، أليس كذلك لا يلزم أن ما لا يعلمه أن يكون منفيًا بعلمه بل يكون أربعة جمعوه ويعلم ذلك ولا يعلم أن عداهم قد جمعوا القرآن.
قال: لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلاد.
قال القرطبي رحمه الله: وإنما خص أنسٌ الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم.
يعني: أراد أن يخص لفظ الأربعة بوصفٍ خاص يميزهم عن غيرهم، والمراد أنه لا يحصر حفظت كتاب الله من الصحابة في الأربعة وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم، أو لكونه في ذهنه دون غيرهم، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني: الجواب عن حديث أنس من أوجه:
أولاً: أنه لا مفهوم له لأنه عدد، لا مفهوم له فلا يلزم ألا يكون غيرهم جمعه.
الوجه الثاني: المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك يعني لم يجمعه بقراءاته ووجهه إلا أولئك الأربعة وهذا محتمل لا إشكال.
الوجه الثالث: أن المراد بجمعه تلقيه من في الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا بواسطة بخلاف غيره فيحتمل أنه بواسطة.
الرابع: المراد بالجمع الكتابة لم يجمعه إلا أربعة. مراد بالكتابة فلا ينفي أن غيرهم جمعه حفظًا أما هؤلاء فجمعوه كتابةً وحفظوه عن ظهر قلب.