هذه قسم لك قراءات باعتبار السند إلى متواترة وآحاد وشاذة، وجرى الناظم هنا على ما اشتهر عليه أرباب القراءات من أن القراءات تنقسم إلى: متواترة، وآحاد، وشاذة.
فالمتواتر هذا سبق معنا مرارًا مأخوذ من التواتر وهو التتابع {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] أي متتابعين، بعضهم يتلو بعضًا حينئذٍ نقول: هذا متواتر. لكنه من جهة اللغة، وأما من جهة اصطلاح المحدثين ونحوهم فالمتواتر ما رواه عددٌ جمٌ أحالة العادة على تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم وكان منتهى خبرهم الحس مع شرط استواء الكثرة ابتداءً وانتهاءً. وحينئذٍ إن أفاد هذا العدد الكثير إن أفاد العلم الضروري حينئذٍ سُمِيَ متوترًا فإن تخلف عنه العلم الضروري كان مشهورًا.
ولذلك ذكر ابن حجر رحمه الله: كل متواترٍ مشهور من غير عكس لماذا؟ لأن التواتر هو ما رواه عددٌ جمٌ أحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب رووا ذلك عن مثلهم من أول السند إلى آخره. ولذلك يشترطون استواء الكثرة في أوله وانتهائه ويكون منتهى خبرهم الحس سمعت رأيت، فإن كان العقل فلا يكون متواترًا إن أفاد العلم نظريًّا كان أو ضروريًّا يعني: اليقين - والأصح أنه ضروري - إن أفاد العلم ضروري حينئذٍ نقول: هذا متواتر. فإن لم يفد العلم الضروري نقول: هذا مشهور وليس بمتواتر. حينئذٍ كل متواترٍ مشهور من غير عكس.
وَمَا رَوَاهُ عَدَدٌ جَمٌ يَجِبْ ... إِحَالَةُ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبْ
فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ
يعني: هل يشترط بيان إذا قيل: عدد كثير عدد جم هل يشترط تحديد العدد أم لا؟
الأصح أنه لا يشترط، وقيل: عشرة. وقيل: عشرون. وقيل: أربعون. وقيل: خمسون. وقيل: سبعون. إلى آخره وقيل: أربعة. والسيوطي قوله:
وهو لدي أزودُ
فَالْمُتَوَاتِرُ وَقَوْمُ حَدَّدُوا ... بِعَشْرَةٍ وَهْوَ لَدَيَّ أَجْوَدُ
والصواب أنه لا يُحَدّ بعدد فكل ما أفاد العلم اليقيني فهو: متواتر.
القراءة هنا المتواتر هي: القراءات السبعة المشهورة. لأنها هي التي يتوفر فيها ضابط التواتر، لكن سبق وأن انتقدنا بعض الشروط هذه التي ذكرها صاحب ((قواعد الأصول)) بأن منتهاه الحسي هذا ليس بشرطٍ واستواء الكثرة في أوله وانتهائه وألا يكون أو تحيل العادة تواطئهم على الكذب أو توافقهم على الكذب تشمل هذه طبقة صحابة وهذا فيه بعد، لكن نقول: ما رواه عددٌ. ولا نُدخل طبقة الصحابة وأحالت العادة تواطئهم وتوافقهم على الكذب فحينئذٍ يفيد العلم هذا في الأصل، في الأصل أنه يفيد العلم مع شهرة الرواة وضبط الرواة إلى آخره فإن أفاد العلم نقول: هذا هو المتواتر. ولا تلازم بين ما ذكر من الشروط وإفادة العلم بل قد يوجد العلم اليقيني برواية شخص واحد ثقةٍ عندنا، فلو روى أبو بكر رضي الله تعالى عنه حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد التابعين نقول: أفاد العلم. يفيد العلم أو لا؟