إذًا إذا وقف على سبب النزول حينئذٍ تبين للناظر وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
الثاني يقال: تخصيص الحكم به بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب إذا كان اللفظ عامًا والسبب خاصًا الجماهير بل حكي إجماع على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب العبرة، فيكون اللفظ عامًا والسبب خاصًا كآيات اللعان مثلاً نزلت في هلال بن أمية وقيل: في عويمر العجلاني. لو نظر الناظر في الآيات وقوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ... [النور: 6] ... إلى آخر الآيات {وَالَّذِينَ} الذين هذا صيغة عموم اسم موصول وهو من صيغ العموم.
صيغُهُ كلٌّ أو الجميع ... وقد تلا الذي التي الفروع
حينئذٍ الموصولات بجميع أنواعها من صيغ العموم قوله {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} هذه نزلت في هلال بن أمية من يرى أن اللفظ العام يختص بسببه يقصر هذا النص على هلال بن أمية، ثم إذا جاءت قصة نظير قصة هلال بن أمية يقيسها يقول: اللفظ لا يشملها لا يتناولها وإنما يكون من باب القياس. هو لا ينفي أن يكون اللعان في غير هلال بن أمية، لا، وإنما يقول: ثبت الحكم في هلال بن أمية نصًا وثبت في غيره قياسًا. ولذلك اللعان ثابت في حق الأمة كلها، كل من وجد منه ما وجد من هلال حينئذٍ يكون الحكم ثابت فيه لكن في هلال بن أمية هذا من جهة النص واللفظ وغيره يكون من جهة حمله على قصة هلال بجامع ما ذكر.
حينئذٍ قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} عند من يرى التخصيص بسبب النزول نقول: هذه الآية تختص بها تختص بتلك الحادثة. فحينئذٍ هل هناك فائدة في الوقوف على معرفة سبب النزول؟
نقول: نعم لأن اللفظ يكون عامًا فإذا نُظر في سبب النزول عرفنا أن محله خاص فيحمل اللفظ العام على الخصوص وكيف لا نقول في هذه الفائدة، وإذا كان هذا المثال فيه نظر لكن على من يرى هذا الرأي.
إذًا نقول: تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب.
الثالث: إذا عُرف السبب قصر التقصير - يعني: إذا كان اللفظ عامًا - على ما عدا صورته فإن دخول الصورة في السبب قطعي - سبق مرارًا معنا في أصول الفقه - فإن دخل صورة السبب قطعي ولا يجوز إخراجها بالاجتهاد وحُكي الإجماع عليه.
واجزم بإدخال ذوات السببِ ... واروِ عن الإمام ظنًا تصِب
هكذا قال في مراتب السور.
[واجزم بإدخال ذوات السببِ] يعني: إذا كان اللفظ عامًا حينئذٍ نقول: هذا اللفظ العام هل يشمل الصورة التي نزلت الآية من أجلها أو لا؟
قطعًا يشملها ثم هل يجوز تخصيص هذا اللفظ العام بإخراج هذه الصورة؟
الجواب: لا، بالإجماع يعني: لو قال قائل: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} نزلت في من؟
في هلال بن أمية، إذًا سبب النزول قصة هلال بن أمية داخلة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}. ما نوع الدخول قطعيٌ أم ظني؟
قطعي، ما الذي ينبني على هذا؟
لو وجد ما وجد من المخصصات على جهة التَّنَزّل لا يمكن أن تخرج صورة هلال بن أمية أبدًا لماذا؟
لأنك لو جوزت إخراجها لخلا اللفظ عن الفائدة لأنه نزل لبيان حادثة فإذا أخرجت هذه الحادثة من مدلول اللفظ إذًا اللفظ ماذا صار نزل لأي شيء؟
لا لشيء ما، لماذا؟