وفي هذه الإشارة اللطيفة تورُّكٌ على الصوفية الذين يدعون محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم من أشد الناس بعدا عن سنته، وإعراضا عن شريعته. (ومثل ذي الأعمال) الإشارة إلى التوبة والإنابة والخوف والرجاء والمحبة (ما أكثرها) وما أقلَّ من يعمل بها ويتفطن لأهميتها. ومن أراد تفصيلها فليرجع إلى كتاب "مدارج السالكين" (?) للعلامة ابن القيم رحمه الله، وكتاب "التحفة العراقية" (?) لشيخه ابن تيمية رحمه الله. (وفي حساب الدين ما أخطرَها) وما أعظم أهميتها، فهي الفيصل الحقيقي بين المؤمن والكافر، وهي اللازم الطبيعي للتصديق القلبي، والباعثُ الأكبر نحو أعمال الجوارح. كما أن مَن أدخلها في مسمى الإيمان لزِمه أن يُدخل أعمال الجوارح أيضا، كما سيأتي بيانه فيما يلي.

وقد دلت نصوص كثيرة من القرآن والسنة على أهمية أعمال القلوب، فمن ذلك قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .

قال ابن القيم رحمه الله: " أقسَم سُبحانه بنفسه المقدسة قسما مؤكدا بالنفي قبلَه على عدم إيمان الخلق حتى يُحَكموا رسولَه في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد، ولم يُثبت لهم الإيمانَ بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفيَ عنهم الحرج وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يُثبت لهم الإيمان بذلك أيضا حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضا والتسليم، وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض" (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015