"ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه" يعني حل أتى بالعمرة الكاملة وحل منها الحل كله، ثم أحرم بالحج، لا، ما نقل عنه -عليه الصلاة والسلام- ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك، نعم، نقل عنه أنه تمتع، ومن قال بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حل وأحرم بالحج بناءً على هذه اللفظة، واللفظة إنما يراد بها التمتع بمعناه العام.
"بل كانوا يسمون القران تمتعاً، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين، وسعى سعيين" طاف طواف للعمرة، وطاف طواف للحج، وسعى سعي للعمرة، وسعى سعي للحج، هذه صورة التمتع؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف طواف القدوم، وسعى معه سعي الحج، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة، فطافوا بين الصفا والمروة طوافاً واحداً، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكرر هذا السعي، وهذا في حق كل قارن، ولو ضاق عليه الوقت، ولم يتمكن من طواف القدوم كفاه طواف واحد، وسعي واحد، كالمفرد تماماً، والمفرد له أن يفعل، أن يطوف طواف القدوم مثل القارن، ثم يسعى بعده سعي الحج، ويكون طواف الإفاضة في يوم النحر.
وأما من تمتع فإنه يلزمه أن يطوف مرتين، ويسعى مرتين، للانفصال التام بين النسكين، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد، على ما سيأتي.
"ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين، وسعى سعيين، وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجه ليست بمختلفة" يعني الألفاظ التي جاءت الألفاظ الثلاثة ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مراده، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج لا شك أن من عرف حقيقة الأمر، وجمع الطرق واطلع عليها لا يشكل عليه شيء، لكن المبتدئ الذي يقرأ مثل هذه الأمور أو لا يجمع طرق هذه الأخبار، لا شك أنها مربكة، واحد يقول: تمتع، واحد يقول: أفرد، واحد يقول: قرن، وكلها صحيحة ثابتة، هذا لا شك أنه تعارض لكنه تعارض في الظاهر، وأما في الباطن فلا.