"وقد اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد هجرته أربع عمر، عمرة الحديبية، وصل إلى الحديبية، والحديبية وراء الجبل الذي بالتنعيم عند مساجد عائشة، عن يمينك وأنت داخل إلى مكة، فصده المشركون عن البيت فصالحهم، وحل من إحرامه وانصرف، وعمرة القضية اعتمر من العام القابل، وعمرة الجعرانة فإنه كان قد قاتل المشركين بحنين، وحنين من ناحية المشرق من ناحية الطائف؛ وأما بدر فهي بين المدينة وبين مكة، وبين الغزوتين ست سنين؛ ولكن قرنتا في الذكر؛ لأن الله تعالى أنزل فيهما الملائكة لنصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين في القتال، ثم ذهب فحاصر المشركين بالطائف، ثم رجع وقسم غنائم حنين بالجعرانة، فلما قسم غنائم حنين اعتمر من الجعرانة، داخلاً إلى مكة لا خارجاً منها للإحرام، والعمرة الرابعة مع حجته فإنه قرن بين العمرة والحج باتفاق أهل المعرفة بسنته، وباتفاق الصحابة على ذلك، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تمتع تمتعاً حل فيه، بل كانوا يسمون القران تمتعاً، ولا نقل عن أحد من الصحابة أنه لما قرن طاف طوافين وسعى سعيين، وعامة المنقول عن الصحابة في صفة حجته ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لم يعرف مرادهم، وجميع الصحابة الذين نقل عنهم أنه أفرد الحج: كعائشة وابن عمر وجابر، قالوا: إنه تمتع بالعمرة إلى الحج، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة وابن عمر بإسناد أصح من إسناد الإفراد، ومرادهم بالتمتع القران، كما ثبت ذلك في الصحاح أيضاً".