قال حبيب بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمر: «تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن، فازددنا إيمانًا»، فإذا كان الصحابة تلقَّوا عن نبيهم صلّى الله عليه وسلّم معاني القرآن كما تلقوا عنه ألفاظه؛ لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد، فنقل معاني القرآن عنهم كنقل ألفاظه سواء؛ ولا يقدح في ذلك تنازع بعضهم في بعض معانيه، كما وقع من تنازعهم في بعض حروفه، وتنازعهم في بعض السنة؛ لخفاء ذلك على بعضهم، فإنه ليس كل فرد منهم تلقَّى من نفس الرسول صلّى الله عليه وسلّم ـ بلا واسطة ـ جميع القرآن والسنة، بل كان بعضهم يأخذ عن بعض، ويشهد بعضهم في غيبة بعض، وينسى هذا بعض ما حفظه صاحبه. قال البراء بن عازب: «ليس كل ما نحدثكم سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولكن كان لا يكذب بعضنا بعضًا».
الوجه الثاني: أن الله سبحانه أنزل على نبيه الحكمة كما أنزل عليه القرآن وامتن بذلك على المؤمنين، والحكمة هي السنة؛ كما قال غير واحد من السلف، وهو كما قالوا، فإن الله تعالى قال: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، فنوَّع المتلو إلى نوعين آيات وهي القرآن، وحكمة وهي السنة، والمراد بالسنة ما أخذ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سوى القرآن كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إنه مثل القرآن وأكثر».
وقال الأوزاعي عن حسان بن عطية: «كان جبرائيل ينْزل بالقرآن والسنة ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن».
فهذه الأخبار التي زعم هؤلاء أنه لا يستفاد منها علم نزل بها جبرائيل من عند الله عزّ وجل كما نزل بالقرآن، وقال إسماعيل بن عبد الله: «ينبغي لها أن تحفظ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنها بمنزلة القرآن».
الوجه الثالث: أن الرجل لو قرأ بعض مصنفات الناس في النحو والطب أو غيرهما أو قصيدة من الشعر، كان من أحرص الناس على فهم