الملحق الثاني
كلام ابن القيم (ت:751) في مسألة البيان النبوي للقرآن:
قال في مختصر الصواعق لابن القيم (ص: 457 ـ 463) ما نصه: «... فأما المقام الأول، فبيانه من وجوه:
أحدها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بيَّن لأصحابه القرآن: لفظَه ومعناه، فبلغ معانيه كما بلغ ألفاظه. ولا يحصل البيان والبلاغ المقصود إلا بذلك، قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وقال: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 138]، وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان: 58]، وقال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 3]؛ أي: بيِّنت وأزيل عنها الإجمال، فلو كانت آياته مجملة لم تكن قد فُصِّلت، وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [النور: 54]، وهذا يتضمن بلاغ المعنى، وأنه في أعلى درجات البيان.
فمن قال: إنه لم يبلغ معاني كلامه وكلام ربه بلاغًا مبينًا، بل بلغهم ألفاظه، وأحالهم في فهم معانيه على ما يذكره هؤلاء، لم يكن قد شهد له بالبلاغ، وهذا هو حقيقة قولهم حتى أن منهم من يصرح به ويقول: إنَّ المصلحة كانت في كتمان معاني هذه الألفاظ، وعدم تبليغها للأمة، إما لمصلحة الجمهور، ولكونهم لا يفهمون المعاني إلا في قوالب الحسيات وضرب الأمثال، وإما لينال الكادحون ثواب كدحهم في استنباط معانيه واستخراج تأويلها من وحشي اللغات وغرائب الأشعار، ويغوصون بأفكارهم الدقيقة على صرفها عن حقائقها ما أمكنهم.