كما نصَّ في كتابه منهاج السنة على ذلك فقال: «وأما أحاديث سبب النّزول فغالبها مرسل ليس بمسند، ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: ثلاثة علوم لا إسناد لها ـ وفي لفظ: ليس لها أصل ـ التفسير والمغازي والملاحم، ويعني أن أحاديثها مرسلة» (?).
وهذا يشير إلى أن مراد الإمام أحمد (ت:241) بالتفسير أسباب النُّزول خاصة، والحقيقة أن أسباب النُّزول جزء من علم التفسير، وهي نوعان:
الأول: أسباب النُّزول الصريحة، وهذه التي يقع فيها الإرسال؛ لأن التابعي أو من بعده ينسب الحدث إلى عصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو لم يشاهده قطعًا، وهذا هو الإرسال في الرواية.
الثاني: أسباب نزول غير صريحة، وهذه تدخل في باب التفسير بالرأي؛ لأنَّ المفسر إذا ذكر حدثًا معيَّنًا، وصدَّره بعبارة النُّزول، فليس يلزم أن يكون مراده أنه سبب النُّزول المباشر، بل يريد التنبيه على دخول هذا الحدث في معنى الآية.
لكن المطَّلِع على التفسير المروي عن السلف عمومًا يجد أن المرويَّ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قليل جدًّا، ويمكن أن يكون مراد الإمام أحمد (ت:241) بمصطلح الإسناد: المرفوع فحسب، وهذا يصدق على هذه العلوم الثلاثة التي ذكرها حيث يكثر إسناد أخبارها إلى من بعد الصحابة، وهي تشترك في أنها أخبار روائية لا يمكن إدراكها بغير الخبر، فالمخبِر إما أن يكون سامعًا وإما أن يكون مشاهدًا، وهذا لا يتحقق إلا للصحابي فقط، والله أعلم.