أشار شيخ الإسلام (ت:728) في أول هذا الفصل إلى هذه المسألة بقوله: «الخلاف في التفسير قليلٌ ... وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد».
وقال في آخر هذا الفصل بعد تحريره لاختلاف التنوع: «ومع هذا، فلا بدَّ من اختلاف محقق بينهم، كما يوجد مثل ذلك في الأحكام».
ثمَّ ضرب أمثلة لذلك من أحكام الفرائض.
ولم يذكر ـ رحمه الله تعالى ـ أمثلة للاختلاف المحقق بينهم في التفسير، وضابط هذا الاختلاف أنه الذي لا يمكن معه حمل الآية على المعنيين معًا، ولا على أنهما وجهان منفصلان من التفسير، وهذا لا يكون إلا إذا تعيَّن أحد المعنيين المختلف فيهما، أما إذا لم يتعين، فإنه يجوز حمل الآية عليهما معًا، أو جعلهما وجهين متغايرين في معنى الآية، فكأنَّ الآية ـ على هذين التفسيرين ـ صارت بمثابة آيتين.
وسأذكر لك أمثلة لهذه الأوجه التي ذكرتها:
1 - قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237]، اختلف السلف في الذي بيده عقد النكاح على قولين:
الأول: أنه ولي أمر المرأة، وقد قال به جماعة من السلف؛ منهم ابن عباس (ت:68)، وعلقمة (ت:62)، والأسود بن يزيد (ت:75)، والحسن (ت:110)، وإبراهيم النخعي (ت:96)، وعطاء (ت:114)، وأبو صالح، والزهري (ت:124)، والسدي (ت:128)، وزيد بن أسلم (ت:136)، وابنه عبد الرحمن (ت:182)، وربيعة الرأي (ت:136)، وعكرمة (ت:105).