"فدل -يعني الرب -جل وعلا-، بهذه الآيات- فدل بما ذكرنا من هذه الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول -وهذا قول الأئمة قاطبة، لا يختلفون في رد قول الفاسق- وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان -وقوله: (والخبر وإن فارق) جواب سؤال قد يقول قائل: إن الآيتين الثانية والثالثة في الشهادة، الآيتين الثانية والثالثة دليل على رد خبر الفاسق في الشهادة، وهناك فرق بين الشهادة والرواية، قال: الخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة، في بعض الوجوه، فقد يجتمعان في أعظم معانيهما -يعني الشهادة لا يقبل فيها المرأة الواحدة، ولا يقبل فيها العبد ولا الأمة، بينما الرواية يقبل فيها المرأة الواحدة، ويقبل فيها الأمة إذا كانت على الشرط المعروف عند أهل العلم، من العدالة والديانة والصيانة والضبط والإتقان- في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم -خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، وهذا يتفقون عليه كما أن شهادته مردودة عند جميعهم- ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق -المنكر، هذا دلت السنة على نفي روايته قال: وهو الأثر المشهور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) يُرى وبعض الروايات (يَرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) بالتثنية، والفرق بين يُرى ويَرى، الفرق بينهما أنه على رواية يُرى التبعة أعظم والأمر أشد؛ لأنه بمجرد أن يراه غير الملقي أنه كذب ولو رآه بنفسه غير كذب، فإنه لا يجوز له أن يحدث به، وعلى رواية يرى يحدث به إذا رأى أنه غير كذب، إذا رأى بنفسه، وليس مسؤولاً عن غيره، ولا شك أن الاحتياط للسنة يرجح رواية (يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) يعني من جملة الكذابين، أو من أحد الكاذبين، فالذي أنشأ هذا الخبر المكذوب كاذب، والذي نقله مع علمه بكذبه كاذب أيضاً، فهو أحد الكاذبين قدم الخبر ثم أردفه بإسناده، ويجوز عند أهل العلم الجادة أن يذكر السند ثم يذكر المتن، هنا قدم المتن ثم أردفه بالسند وهذا جائز سائغ عند أهل العلم ولا يرون به بأساً؛