من صنوف التأليف الجمع، اجمع في هذه المسألة، أو اجمع شرحاً لهذا الكتاب من الكتب، مفردة لغوية راجع عليها كتب اللغة، علم تراجع له كتب التراجم، جملة من الجملة راجع لها، مشكل إعراب راجع له كتب النحو، وهكذا تتعلم وتتأهل، فأول من يستفيد من تصنيف المصنف، ولا يلزم أنك إذا أكملته تنشره للناس، لا، لأن بعض طلاب العلم بادر في هذا وندم ندامة الكسعي، فصار عرضةً للنقد، وصار عرضةً للسخرية والاستهزاء، ومهما ألف ما قبل منه، خلاص انطبع في ذهون الناس أن هذا لا يجيد التأليف، لكن لو صبر على تأليفه هذا وراجعه وكل ما تجدد له علم في مسألة حررها في هذا الكتاب، يتأهل، يعني من طرق التصنيف الاختصار، عندك –والله- كتاب مطول، عندك فتح الباري تقرؤه لا تحيط به، فلا مانع أن تختصر هذا الكتاب، بدل ما هو بضعة عشر مجلد أنت تختصره في مجلدات يسيرة، أو تعلق على نسختك منه ما تحتاج إليه، كتاب مطول تختصر في الحديث، في التفسير، يعني بعض الإخوان يقول: أنه قرأ تفسير ابن كثير خمس مرات ولو تسأله عن أي آية أو عن أي كلمة ما يدري، ضاع؛ لأنه كلام فيه تكرار، وفيه أسانيد، بعض الناس ما ينحصر ذهنه في هذه الأمور، طيب ما المانع أن تختصر ابن كثير في مجلد واحد، وفي النهاية يستقر في ذهنك هذا المجلد، ويكون علمك بما حذفت كعلمك بما أثبت؟

فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، والإمام مسلم يقول -رحمه الله تعالى-:

"وظننت حين سألتني ذلك تجشّم ذلك" تجشمّ لا يكون إلا في اقتحام ما هو وعر، يعني ما يمكن أن تتجشم أمتار لتصل إلى المسجد، لكن يمكن أن تتجشم صعود جبل، وهذا لا شك أن فيه صعوبة، وصياغة الكتاب بمثل هذه الطريقة التي ألفه عليها الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- أمر ليس بالمقدور، يعني لعموم الناس ولا لخواصهم، بل فيه تصرفات من الإمام مسلم تدل على براعةٍ تامة، فمن عانى هذا الكتاب عرف مزاياه، كما أن له عناية بصحيح البخاري عرف أنه كتاب لا يوازيه كتاب، إلا كتاب الله -جل وعلا-، حاشا كتاب الله، هذا لا يدخل في الموازنة مع أي كتابٍ كان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015