((فو الذي نفسي بيده)) وذكرنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يقسم بهذا، والذي نفسي بيده، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وإن قال كثير من الشراح: روحي في تصرفه، وذكرنا هذا فيما تقدم، فإن كان فراراً من إثبات الصفة فهو مردود على قائله، وإن كان ممن يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته فلا روح إلا في تصرف الله -جل وعلا-.
((فو الذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وهذه الجملة من الحديث أقلقت خيار الأمة، وأقضت مضاجعهم، ملاحظين العاقبة، وما يختم به، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة)) قد يعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة ثم يسبق عليه الكتاب الذي أمر به الملك بكونه شقياً فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، في بعض الأحاديث جاء القيد، في حديث أبي موسى وغيره جاء القيد: ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) يعني في الظاهر عمله عمل الجنة؛ لكنه في الباطن غير مخلص لله -جل وعلا-، وفي قلبه شك وريب ((ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) على أن عامة أهل العلم لم يحملوا المطلق على المقيد؛ لأنه لو حملوا المطلق على المقيد لأدى ذلك إلى شيء من الأمن من سوء العاقبة، لكن حالهم يدل على خلاف ذلك، فكل منهم يخاف سوء العاقبة مع إخلاصهم، وصدقهم مع الله -جل وعلا-، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم خصوصاً طالب العلم الذي يعرف مثل هذه الأمور، ويعرف عن السلف ما يعرف، وما يؤمنه أنه يزل بكلمة أو بسوء رأي، أو ما أشبه ذلك يَضل به ويُضل ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) نسأل الله العافية، فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، وألا يتكلم إلا بشيء ينفعه، وألا يكتب إلا شيئاً ينفعه ويسره أن يلقاه.
فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه
أما ما يضرك فهذا لا تكتبه، وإذا كان مستوي الطرفين لا تدري هل ينفع أو يضر؟ فاتركه، واحتط لنفسك، وكذلك الكلام لا تتكلم إلا بشيء تحسب حسابه.