إن الظاهر في عبارات السلف ـ وهم العمدة في هذا الباب ـ اعتبار المكان، والنصُّ عليه. واعتبار المكان في عباراتهم يتضمَّن اعتبار الزمان بدهياً؛ لأن أسفار النبي صلّى الله عليه وسلّم لم تكن إلا في العهد المدني، فإذا قيل: نزلت سورة الفتح في الحديبية، فقد أفاد هذا القول الأمرين معاً: (المكان والزمان)؛ لأن أمر الحديبية إنما كان بعد الهجرة.
أما لو عُبِّر بالزمان فقط، فإنه لا يفيد في تحديد المكان، فلو قيل: سورة الفتح مدنية، نزلت بعد الهجرة، فإن هذا القول لا يفيد في تعيين المكان الذي نزلت فيه، ولا شكَّ أن في تحديد المكان فائدة زائدة على اعتماد الزمان فقط.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الأفضل في مثل هذا الحال أن يعبر عن المكان، ثم يتبع بالزمان إن كان الأمر يحتاج إلى ذلك.
ويمكن تقسيم السور ـ بناءً على هذا ـ كالآتي:
• ما نزل في مكة.
• ما نزل في المدينة.
• ما نزل في ضواحيهما أو في أسفاره صلّى الله عليه وسلّم بعد الهجرة، وهذه يغلب عليها أنها مدنية، إن لم تكن كلها كذلك.
ومثال ما نزل في ضواحي المدينة: ما ورد عن عكرمة (ت105هـ) أنه سئل عن آية فقال: «نزلت بسفح سلع» (?)؛ أي: جبل سلع، فحدد المكان وهو سفح جبل سلع، وهو من جبال المدينة.
ومما نزل في أسفاره صلّى الله عليه وسلّم سورة التوبة، فقد نزل بعضها أثناء عودته من غزوة تبوك.
ومما نزل في ضواحي مكة بعد الهجرة آية المائدة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3]، فقد