وبقاء الاشتقاق في اللغة التي تكلم بها آدم هو الذي ولَّد هذه اللهجات المتكاثرة، وكذا ولَّد معاني جديدة حسب الحاجة التي يحتاجها الناس، وحسب ما يقوم عندهم من حضارات مادية تحتاج إلى أسماء جديدة.
وإذا نظرت إلى تاريخ حدوث المسميات، فإنك ستجد المجاز يطلُّ عليك؛ لأن الحقيقة هي أول ما يتبادر إلى الذهن عند جمهور الناس، أو ما يُجمَع أو يتفق عليه كثير من علماء اللغة، ثم إن بعض المجازات قد تكون أصلاً إذا كثر استعمالها، ولهذا إذا رجعت إلى كتاب ابن فارس (ت395هـ) في مادة «لبس» تجد أن أصلها الاختلاط (?)؛ وفي قولنا: «لبست الثوب» اختلف العلماء هل هو من الستر أو الاختلاط؟، وإذا نظرت إلى مادة «لباس»، فإنها ترجع إلى لبس الثوب، مع أنه ليس هو الأصل.
وإذا قرأت قولهم في بيان بلاغة قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] يقول ابن جزي: «تشبيه بالثياب لاشتمال كل واحد من الزوجين على الآخر» (?)، فذكر أنه مجاز، وهذا فيه نظر، بل هو حقيقة، لكننا لما غفلنا عن الأصل الأول الذي هو الستر أو الاختلاط، ظننا أنه لا علاقة له بمعنى اللباس هنا، وذهبنا إلى أن التشبيه باللباس الذي يُلبس؛ لأنه هو الأشهر والأظهر من الاستعمال في مادة «لباس».
فإذا أثبتنا أن هذا هو الحقيقة لكثرة الاستعمال أو لكونه المتبادر إلى الذهن فهذه قضية يتسامح فيها، ولا يمكن أن نصل إلى علم يقيني مطلقٍ فيها، والمسألة فيها اجتهاد، وهي حكم بغلبة الظن.