أو من أديم الأرض الذي هو التراب، وهذا يشير إلى أن اللغة التي تكلم بها آدم لغة اشتقاق، ومن قال: بأنها سريانية، فإنها تسمية لا تخرج بالاسم عن الأصل المقصود الذي ذكرته، وهو كونها لغة اشتقاقية بأي اسم سميت هذه اللغة.
وآدم عليه السلام قد نطق بهذه اللغة الاشتقاقية منذ أن خلقه الله، وانظر إلى قوله للملائكة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ردوا عليه بمثله، وإذا كانت الأسماء لا تتغير، فإنه قد نطق باسم الجلالة كما نعرفه اليوم، وكذا اسم السلام.
وكذا ورد في الحديث: «قال الله عزّ وجل: أنا الرحمن وأنا خلقت الرحم واشتققت لها من اسمي» (?)، أي: من الرحمن والرحيم، فالاشتقاق هذا هو الذي جعل اللغة التي تكلم بها آدم تستمر إلى يومنا هذا، وإن كان بعض اللغات حدث فيها تغيير كبير حتى خرجت عن لغة الاشتقاق، وفقدته برمته، ولذلك أسباب تاريخية يمكن دراستها في غير هذا الموضع.
وإذا تأملت اللغات التي يتكلم بها الناس فإنك ستجد أن اللغة العربية أسعد اللغات حظاً بهذه اللغة الاشتقاقية الأولى؛ لأن أصولها ممتدة من جهة الاشتقاق إلى أمدٍ سحيق، فهي لغة أنبياء العرب كالنبي صالح، شعيب، وهود عليهم السلام وهم قبل إبراهيم؛ أي: قبل اليهود، بل ستجد أنها قبل هؤلاء كلهم، فهذه أسماء أصنام قوم نوح عربية {وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23]، وقوم نوح بينهم وبين آدم عشرة قرون، كما ورد عن ابن عباس، وهذا يشير إلى أن اللغة الاشتقاقية الآدمية كانت موجودة في قوم نوح عليه السلام، وأن أصول كلام العرب كان ممتداً إلى قوم نوح.