ثم ذكر أدوات البيان وأنها علم البديع التي تكون محسنة للكلام البليغ، مثل الطباق والمقابلة وغيرها من المحسنات البديعية.
أما ما يتعلق باستعمال الألفاظ، فالقرآن لم يستخدم لفظة وحشية، وإن كان فيه ألفاظ فيها غرابة من جهة المعنى، وألفاظ فيها ثقل من جهة النطق؛ لكنها ليست من الألفاظ المستكرهة، وإذا تأملت بعض هذه الألفاظ ستجد أنها تؤدي الغرض المقصود منها من جهة البلاغة، مثل قوله سبحانه وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} [التوبة: 38] لفظة {اثَّاقَلْتُمْ} لفظة ثقيلة أخف منها (تثاقلتم)، ولكن عُبِّرَ بـ {اثَّاقَلْتُمْ} لتشير إلى الحالة التي تدل على أن هذا الإنسان قد لزق بالأرض حتى لا يكاد يقوم، ولا يمكن أن تؤدي هذه الصورة لفظة «تثاقلتم»؛ لأن التثاقل يدل على محاولة القيام لكن فيه ثقل، أما {اثَّاقَلْتُمْ} فهي تدل على اللصوق بالأرض لصوقاً تاماً، وهذه الكلمة لو وضعت في مكان آخر ما صلحت لكنها في هذا الموطن صالحة وتؤدي المعنى الذي جاءت من أجله، ولو غيرت بلفظة أخرى ما استقامت الجملة على المعنى الذي هي به من جهة هذه اللفظة.
ولا شك أن القرآن قد وصل في اختيار الألفاظ إلى الحد الأعلى الذي لا يمكن أن يوجد في كلام متكلم؛ ولهذا يستدرك الناس على أعظم أهل البيان من الشعراء وغيرهم في اختياراتهم، لكن لا يمكن أن يستدرك على القرآن في كلمةٍ واحدة، ولا يمكن أن يقال: إن هذه اللفظة لو كان بدلاً منها تلك اللفظة لكانت أبرع.
ومن المستدركات على بعض الشعراء ما استدرك على امرئ القيس في لاميته في قوله (?):