وهذا يعني أننا حينما نخطّئ العالمَ المتقدمَ على أنه ردَّ قراءةً متواترةً؛ نخطِّئه بمصطلحٍ حدث بعده، ونخطئه بقضية علمية لم تثبت عنده، ونحن لم نبحث عن سبب تخطئته هو للقراءة لكي نفسِّر هذا الأمر ولا نبرره، وهذا مما لا تكاد تجد أحداً من الباحثين حرص على بيانه، وهو مهم جدّاً.
ومن يتتبَّع التاريخ سيجد أن الاعتراض على بعض القراءات موجود منذ عهد الصحابة وتتابع من جاء بعدهم على ذلك، لكن لا نقول إن فلاناً قد ردَّ قراءة متواترة إلا إذا ثبت أنه يثبت أنها متواترة ثم يردها، ومن ثَمَّ لا نقول ـ مثلاً ـ: إن عائشة ردَّت قراءة متواترة، وذلك لأنه لم يثبت عندها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قرأ بها، إذا لا يُتصوَّر أن تثبت عندها القراءة ثُمَّ تردُّها.
ومما يقرب من مبحث الاعتراض على القراءة موضوع «الترجيح بين القراءات»، وهو قديم الوجود، وقد نشأ مع اختيار الأئمة للقراءات، والاختيار جزء من الترجيح، وغالباً ما يكون الاختيار والترجيح مبنياً على علَّه معينة دعت ذلك إلى هذا الاختيار أو الترجيح، وهذا العمل لم يكن فيه أي ضير عند العلماء، ولم يصدر المنع في الترجيح بين القراءات والتشديد في ذلك إلا متأخراً.
وهي مسألة لها تعلق بتفاضل كلام ـ الله سبحانه وتعالى ـ من وجه، والتفاضل ثابت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد أخبر عن فضل بعض سور القرآن وآيه في غير ما حديث.
ثمَّ نشأ عن هذا مسألة أخرى أيضاً، وهي هل بعض الجمل أو الآي أبلغ من بعض؟
والقول الصواب في هذا أنه لما كان كلام الله سبحانه وتعالى منزل على كلام العرب، فإنه سيقع التفاضل في البلاغة من جهة، وتقرير ذلك: أن كلام الله كلَّه أبلغ ما يكون، وهو في المرتبة العليا من البلاغة بلا ريب،