التواتر فلم يذكروه، وإنما عبروا بالاستفاضة والشهرة، أو بأنها نقل العامة أو اتفاق العامة.

فإن قال قائل: إن بعض العلماء حصل منهم إنكار لبعض القراءات كما وقع من الطبري (ت310هـ) رحمه الله تعالى حيث أنكر قراءة ابن عامر (ت118هـ).

نقول: إنكاره لقراءة ابن عامر (ت118هـ) سببه: أن السند الذي عنده فيه مشكلات من جهات، ومنها:

1 - أنه لا يُعرف أن أحداً أخذ القراءة على عثمان، والطريق الذي رواه ابن عامر عن المغيرة عن عثمان بن عفان.

2 - أن في سند قراءة ابن عامر رجلاً مجهولاً من أهل الشام لا يُعرف بالنقل عند أهل النقل، وهو عراك بن خالد المري.

وإذا نظرت إلى الأسلوب العلميِّ الذي سلكه الطبري، فإنك ستجده صحيحاً؛ لأن الطبري لم يعترض على قراءة ابن عامر اعتباطاً، بل اعترض بحجة علمية معتبرة.

لكن هذا الذي جهله الطبري من رجال السند عرفه غيره، فأهل الشام تلقوا قراءة ابن عامر بالقبول، أما قول الطبري رحمه الله تعالى فغير مقبول في هذا وإن كان إماماً في التفسير وفي القراءات وغيرها، فنحن نحترم العالم، لكننا لا نقبل قوله ما دام خطأً.

وهذا يدعونا ألا نحكم على العلماء المتقدمين بأنهم ردوا قراءة متواترة ـ أي: متواترة بالنسبة لنا ـ فلا نقول ـ عندما ردَّ بعض علماء البصرة كالمبرد (ت285هـ) قراءة حمزة (ت156هـ) {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1]: إن المبرد ردَّ قراءة متواترة؛ لأننا يلزمنا أن نُثبت أنه كان يرى تواترها، ثم ردَّها بعد حكمه بتواترها، ولو كان الأمر كذلك لصحَّ التشنيع عليه؛ لكنه لم يحكم بتواترها فنقول: إنه ردَّ قراءة متواترة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015