لغتهم لمعرفة المشهور من المعاني والشاذ منها أو القليل؛ لأن حمل كلام الله على المشهور أولى من حمله على الشاذِّ أو القليل.
ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا} [النبأ: 24] قيل البرد: هو النوم، وقيل البرد: الهواء البارد، والأشهر في إطلاق اللفظ عند العرب هو الهواء البارد، وإطلاقه على النوم قليل، ولما تعارض المعنى الأشهر والأقل فإننا نقدم الأشهر، من باب تقديم الأولى، وإن كان المعنى الثاني له وجهٌ صحيح والآية تحتمله.
القاعدة السابعة: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن، فإن ذلك دليلٌ على ظهوره ورجحانه.
المتبادر إلى الذهن قضية نسبية، يصعب الحكم بها؛ لأن ما يتبادر إلى ذهني قد لا يكون متبادراً إلى ذهنك، لكن لو وقع الاتفاق على المتبادر للذهن، أو قال به الجمهور قبلناه.
مثال على الاختلاف في المتبادر للذهن قوله: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي ياإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، فالمراد بالرجم قيل: السب، وقيل: الرجم بالحجارة، والمتبادر للذهن ـ بسبب كثرة الاستعمال ـ الرمي بالحجارة.
هذه القواعد التي تحتاج إلى بيان، أما بقية القواعد كتقديم الحقيقة على المجاز، والإطلاق على التقييد، والاستقلال على الإضمار، والعموم على الخصوص، وحمل الكلام على ترتيبه فقد سبق الحديث عنها بالأمثلة عند ذكر أسباب اختلاف المفسرين، وهناك أسباب وقواعد كثيرة غير هذه يمكن أن تؤخذ من مظانها التي ذكرتها.