مثال آخر: في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] بعضهم قال: {بِضَنِينٍ} بالضاد: بمتهم.
وفسر آخرون هذه القراءة (بالضاد): بضعيف، ومنه قولهم: «حبل ضنين» أي: حبل ضعيف.
والاختلاف في معنى «ضنين» هل هو متهم أو ضعيف جاءت في قراءة واحدة، فاختلاف المفسرين ليس بسبب اختلاف القراءة بل بسبب فهم معنى اللفظ في هذه القراءة.
فأي اختلاف مبني على القراءات ليس داخلاً في الاختلاف في التفسير، وإذا وقع الاختلاف في معنى القراءة، فهذا يدخل في واحد من أسباب اختلاف المُفسرين الأخرى.
السبب الثاني: اختلاف وجوه الإعراب وإن اتفقت القراءات:
ربط المؤلف الإعراب بالقراءات؛ لأن الاختلاف في القراءة قد يكون له أثر في اختلاف الإعراب.
والأصل أن الاختلاف في الإعراب مبني على الاختلاف في المعنى، لكنا هنا ننطلق من الإعراب فنجعله سبباً في الاختلاف في المعنى؛ لأننا ننطلق في فهم الكلام العربي من خلال قواعد النحو.
وإن كان الأصل أنك تفهم المعنى ثم تعرب؛ ولذا قالوا: (الإعراب فرع المعنى)، ومن ثَمَّ فإن اختلاف وجوه الإعراب لا يكون من أسباب اختلاف المفسرين إنما نتيجة لاختلافهم في فهم المعنى.
فإن قال قائل: إننا في الواقع نأخذ المعنى من الإعراب، فنحن نعرب، ثم نقول المعنى على هذا الإعراب كذا.
نقول: إنَّ واقع الدراسة عندنا الآن أننا ننطلق من الإعراب إلى المعنى، لكن الصحيح أن الاختلاف في الإعراب نتيجة عن الاختلاف في المعنى، وليس سبباً من أسباب الاختلاف.
ومثال ذلك: في قوله سبحانه وتعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 4، 5].