وهذا له وجه، لكن الله أمرنا بالعدل، فقال: {... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام: 152]، وليس من العدل أن نقول: إن كل ما عندهم هو خطأ، وأنه لا تجوز روايته، بل عندهم خطأ كثير، وعندهم صواب، ولا ندع صوابهم لأجل كثرة خطئهم.

وهذا المنهج المتشدد في كثير من الدراسات المعاصرة ليس هو المنهج الصحيح؛ لأن الأصل عندنا أن نأخذ عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهو الذي أباح لنا، وهو الذي أرشدنا إلى عدم التصديق وعدم التكذيب، ولا نصدق ولا نكذب إلا بالبرهان مثلما فعل السلف، فمعاوية رضي الله عنه (ت60هـ) يقول عن كعب الأحبار: «وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب» (?)، وليس يقصد أنه يكذب، وإنما يقصد أن نبلوا ما في أخبارهم من كذب فنميز ما فيها.

والسلف لم يكن عندهم قصور في تصور هذه المسألة، وأنهم كانوا يُدخلون ما هبَّ ودبَّ من دون تعقُّل، هذا ليس بصحيح إطلاقاً. كما أننا لن نكون ـ وهذا مما يلزم أن يعلمه طلاب العلم ـ أحسن حالاً في العلم من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولن نكون أحسن حالاً منهم في تفسير القرآن وتنزيه الأنبياء أبداً، فهم الأعلم والأسلم والأحكم والأفهم في هذه الأمور، فإذا تقرر هذا حسُن بنا أن نرجع إلى علمهم وأن نعرف كيف علموه وكيف تعلموه وكيف تعاملوا معه.

أما أن نقعِّد قواعد ثم نحكِّم أقوال السلف بها فلا؛ فقواعدنا يقع فيها الخلل من جهة كونها لا تستوعب مصطلح السلف بحذافيره، لذا سيؤدي تحكيمها على أقوال السلف إلى الاعتراض عليهم أو ردِّ أقوالهم كما في قضية الناسخ والمنسوخ التي سبق التفصيل فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015