وقائعه، وما انفصل من أوصال أعاديه في ملاحمه.

ثم وصف سير عضد الدولة في وجهته، فقال: أنه سار منفرد المهر عما يتبعه من رعال الخيل، ومتوحدا من جيوشه التي هي كقطع الليل، وذلك التوحد من عظم همته، وجلالته وهيبته، ولا لملال أدركه، ولا لسآمة لحقته، ولكنه يضن بالمواكبة، وتحميه منزلته عن المقاربة، فيتقدم جيشه ترفعا وعزة، وليس يتقدم تبذلا وقلة.

ثم قال مؤكدا لما قدمه، وهو يريد الخيل التي تتلو في سيرها عضد الدولة: فما يتحركن إلا انسلالا ومسارقة، ولا يتناجى فرسانها إلا سرارا ومخافته، فهي تضرب لهيبته على الصهيل، وتحمل عند مقاربته على الهدوء والتدليل.

كُلُّ عَلِيلٍ فَوقَهَا مُختَالِ ... يُمسِكُ فَاهُ خَشيَةَ السُّعَالِ

مِنْ مَطلَعِ الشَّمسِ إلى الزَّوَالِ ... فَلَم يَئِلْ ما طَارَ غَيرَ آلِ

وَمَا عَدَا فَانغَلَّ في الأدغَالِ ... وما احتَمَى بِالمَاءِ والدِّحَالِ

مِنَ الحَرَامِ اللَّحْمِ والحَلاَلِ ... إنَّ النُّفوسَ عَدَدُ الآجالِ

المختال: المعجب بنفسه، المتكبر في مشيه، ويئل: يرجع إلى موئل، والآلي: المقصر، والانغلال: الاستتار، والأدغال: الآجام، واحدها: دغل، والدحال: أنفاق كالأسراب في جوانب الآبار، واحدها: دحل.

فيقول: كل عليل على ظهور الخيل المقاربة لعضد الدولة، كبير في نفسه، مختال في حاله، لا يجهر بالسعال إن اعترضه، فاه من المهابة إن حدث له، يتكلف ذلك أكثر النهار، من وقت طلوع الشمس إلى وقت الزوال، إعظاما لعضد الدولة، وإجلالا لقدره، وتوقيرا له، وإكبارا لأمره.

ثم وصف حال الجيش المذكور فيما قصد لصيده، فقال: فلم يرجع إلى موئله ما اعترض من الطير، وإن كان الطيران غير مقصر، ولا نجا ما عدا من الوحش، وانغل في الأدغال فعل المتستر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015