وخرج أبو شجاع ومعه عدة للصيد، فكان يسير قدام الجيش يمنة وشأمة، فلا يطير شيء إلا صاده، حتى وصل إلى دشت الأرزن، وهو موضع حسن يكون على عشرة فراسخ من شيراز، تحف به الجبال، والأرزن في غاب ومياه ومروج، فكانت الأيائل تصاد، ويقبل ببعضها تمشي والحبل في قرنه، وكانت الوعول تعتصم بالجبال، وتدور بها الرجال، وتأخذ عليها المضائق، فإذا أثخنتها النشاب هوت من رؤوس الجبال إلى الدشت، فتسقط بين يديه، فمنها ما يطيح قرنه، ومنها ما يذبح فيخرج نصول النشاب من كبده، فأقام بذلك المكان أياما على عين حسنة، وأبو الطيب معه، ثم قفل فقال أبو الطيب يمدحه ويصف الحال، وأنشده في رجب سنة أربع وخمسين وثلاثمائة:
ما أَجدَرَ الأيَّامَ واللَّيَالِي ... بِأنْ تَقولَ مَا لَهُ وما لي؟
لا أَنْ يَكُونَ هكذَا مَقَالِي ... فَتىً بِنِيرانِ الحُروبِ صَالِي
مِنْهَا شَرَابِي وَبِهَا اغتِسَالِي ... لا تَخطُرُ الفَحشَاءُ لِي بِبَالِي
الصالي للنار: الذي يقاسي شدة حرها، والفحشاء: الإقدام على ما حرمه الله.
فيقول: ما أجدر الليالي والأيام، التي هي جماع الدهر، ومنها يكون التظلم في جملة الأمر، بأن تتشكاني مشفقة من تأثيري في جملتها، واقتداري على كف عاديتها، فتقول: ما له وما لي! متواضعة بذلك مستعفة، ومعتذرة إلي بذلك مسترضية، لا أن يكون ذلك مقالي، متوقعا لمضرتها، ومتشكيا لسوء صحبتها، قد شهدت مني فتى يصلي بنيران الحروب أنسا بها، ويجعلها شرابه وغسله؛ لقلة تهيبه لها، ولا تخطر الفحشاء بباله؛ لصدق عفته، ولا تتمثل له؛ لما هو عليه من مروءته.
لَو جَذَبَ الزَّرَّادُ مِنْ أَذيَالِي ... مُخَيَّراً لي صَنعَتَيْ سِربَالِ
ما سُمتُهُ سَرْدَ سِوَى سِروَالِي ... وَكَيفَ لا وإنَّما إدلالي
بِفَارِسِ المَجروحِ والشَّمَالِ ... أَبي شُجَاعٍ قاتِلِ الأبطَالِ