وقال أيضا يمدحه ويذكر وهسوذان:
أَزَائِرٌ يا خَيَالُ أَمْ عَائِد؟ ... أم عِندَ مَولاكَ أَنَّنِي رَاقِدْ؟
لَيسَ كما ظَنَّ غَشْيَةٌ عَرَضَتْ ... فَجِئتَنِي في خِلاِلهَا قَاصِدْ
الخيال: ما يطرق في النوم، فيمثل الشيء على المعهود منه، والعائد: المتفقد لأحوال العليل، والمولى: الولي على جميع وجوه الولاية، وخلال الشيء: أثناؤه وما اشتمل عليه.
فيقول: أزائر أنت أيها الخيال الطارق على الانتزاح والبعد، أم عائد لما يتيقن أني أقاسيه من الصبابة والوجد، أم عند مولاك الذي تدينه وتمثله، وتقربه وتظهره، أني رقدت فتعاهدني بزوره، وأكد ما بنفسي من ذكره؟.
ثم قال مخاطبا للخيال، ومشيرا إلى محبوبه الذي مثله له: ليس الأمر كما قدره مهديك؛ من أن تهويمي تهويم رقاد ودعة، وسكون وراحة، وإنما ذلك لغشية من الألم مذهلة، وغمرة من غمرات السقم مؤلمة، أتيتني في خلالها متفضلا بالقصد، ومبشرا عمن أحبه بإقامته على العهد.
عُدْ وَأعِدْهَا فَحَبَّذَا تَلَفٌ ... أَلصَقَ ثَدْيي بِثَدْيِهِ النَّاهِدْ
وَجُدْتَ فِيه بِمَا يَشُحُّ بِهِ ... مِنَ الشَّتِيتِ المُؤشَّرِ البارِدْ
الثدي الناهد: الذي قد كعب، والشتيت: الثغر الذي ينفصل فيه ما بين الثنيتين والرباعيتين، والأشر: تحزيز يكون في أطراف الأضراس أول ما تنبت، ويصحب ذلك في مدة الشباب.
فيقول، وهو يخاطب الخيال: عد أيها الطيف وأعد تلك الغشية، وصل وأن جددت علي تلك الشدة، فحبذا تلف مثل لي عناق ذلك الثدي الناهد، وأدناني من ذلك الجسد الناعم.
ثم قال، على نحو ما قدمه: وحبذا تلف تجود لي فيه بما يشح به من أنت خياله الزائر، ومثاله المقترب الواصل، من تقبيل الثغر الشتيت المؤشر، البديع المنظر