(ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَهْدَى ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُهْدَى عَادَةً أَنَّهُ يَبِيعُهُ هُنَا وَلَا يُرْسِلُهُ وَيُرْسِلُ ثَمَنَهُ يُشْتَرَى بِهِ هَدْيٌ سَلِيمٌ فِي مَحَلِّ الْهَدْيِ وَأَشَارَ هُنَا إلَى أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ إذَا عَجَزَ عَنْ شِرَاءِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهِ أَقَلَّ الْهَدْيِ وَهُوَ شَاةٌ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْأَدْنَى فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ثَمَنِ شَاةٍ فَإِنَّهُ يُرْسِلُهُ إلَى خَزَنَةِ الْكَعْبَةِ يَصْرِفُونَهُ فِي مَصَالِحِهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُتَصَدَّقُ بِهِ فِي أَيِّ مَكَان.
(ص) وَأَعْظَمَ مَالِكٌ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (ش) يَعْنِي أَنَّ مَالِكًا اسْتَعْظَمَ وَمَنَعَ أَنْ يُشْرَكَ مَعَ خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ غَيْرُهُمْ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهَا وَخِدْمَتِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا فَإِنَّ خَزَنَتَهَا هُمْ أَصْحَابُ عَقْدِهَا وَحِلِّهَا فَلَا يُشْرِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ.
(ص) وَالْمَشْيُ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَلَوْ لِصَلَاةٍ (ش) تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَلُزِمَ الْبَدَنَةَ بِنَذْرِهَا وَعَطَفَ هَذَا عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ مَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ لِأَجْلِ صَلَاةٍ بِهِ وَلَوْ نَفْلًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَأْتِي ذَلِكَ مَاشِيًا لَا رَاكِبًا خِلَافًا لِلْقَاضِي إسْمَاعِيلَ فِي قَوْلِهِ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْحَجِّ لَا يَمْشِي بَلْ يَرْكَبُ إنْ شَاءَ وَأَمَّا مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى أَحَدِهِمَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَأْتِيهِمَا رَاكِبًا كَمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَشَى لِلْمَدِينَةِ أَوْ إيلِيَاءَ إنْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةً بِمَسْجِدَيْهِمَا أَوْ يُسَمِّيهِمَا فَيَرْكَبُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ فِي لُزُومِ ذَلِكَ إذَا نَذَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِأَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَإِيلِيَاءَ.
(ص) وَخَرَجَ مَنْ بِهَا وَأَتَى بِعُمْرَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ وَهُوَ قَاطِنٌ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ وَيَأْتِي بِعُمْرَةٍ مَاشِيًا فِي إيَابِهِ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ لِلْحِلِّ رَاكِبًا وَمَشَى مِنْهُ لِمَكَّةَ.
(ص) كَمَكَّةَ أَوْ الْبَيْتِ أَوْ جُزْئِهِ (ش) التَّشْبِيهُ تَامٌّ أَيْ وَكَذَا إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَكَّةَ أَوْ إلَى الْبَيْتِ أَوْ جُزْئِهِ الْمُتَّصِلِ كَالْحَجَرِ وَالْمُلْتَزَمِ وَالرُّكْنِ وَالْبَابِ وَالشَّاذَرْوَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ إلَيْهِ مَاشِيًا وَإِنَّمَا لَزِمَ مَنْ قَالَ إلَى مَكَّةَ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَوِي عَلَى الْبَيْتِ وَالْبَيْتُ لَا يُؤْتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا رُجُوعُهُ لِلثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ كَثَوْبٍ بِيعَ فَمِنْ حَيْثُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا بِيعَ الثَّوْبُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بَدَنَةً لَا بَقَرَةً وَلَا شَاةً فَإِذَا عَجَزَ عَوَّضَ الْأَدْنَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إنْ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ) عَبَّرَ بِإِنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ احْتِيَاجَهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَضُّ فَتُبْنَى وَلَا يَكْسُوهَا إلَّا الْمُلُوكُ وَيَأْتِيهَا مِنْ الطِّيبِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ وَمَكَانِسُهَا خُوصٌ ثَمَنُهَا لَا بَالٌ لَهُ وَبَعْدَ الْكَنْسِ يَزِيدُ ثَمَنُهَا عَلَى مَا كَانَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَأْكُلَهُ الْخَزَنَةُ وَلَيْسَ مِنْ قَصْدِ النَّاذِرِ فِي شَيْءٍ وَخَزَنَتُهَا بَنُو شَيْبَةَ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ) أَيْ النَّاذِرُ أَوْ غَيْرُهُ عَلَى خَزَنَتِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا أَفَادَهُ عج (قَوْلُهُ فَإِنَّ خَزَنَتَهَا إلَخْ) لَيْسَ هَذَا هُوَ تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ الْمُنَاسِبُ لِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي أَنَّ مَالِكًا اسْتَعْظَمَ وَمَنَعَ إلَخْ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمْ لِخِدْمَةِ الْكَعْبَةِ وِلَايَةٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِذَا امْتَنَعَ الشِّرْكُ فَأَوْلَى الِانْتِزَاعُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا حَافَظُوا عَلَى حُرْمَتِهِ وَلَازَمُوا الْأَدَبَ فِي خِدْمَتِهِ وَإِلَّا جُعِلَ عَلَيْهِمْ مُشْرِفٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ النَّذْرِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا اسْتِطْرَادًا وَكَأَنَّهُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَتَقْدِيرُهُ هَلْ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِغَيْرِ الْخَزَنَةِ فَإِنْ قُلْت حَيْثُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «هِيَ لَكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ خَالِدَةٌ تَالِدَةٌ لَا يَنْتَزِعُهَا مِنْكُمْ إلَّا ظَالِمٌ» فَكَانَ قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يُسْنَدَ الْإِعْظَامُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِلْإِمَامِ قُلْت النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا عَبَّرَ بِالِانْتِزَاعِ الظَّاهِرِ مِنْهُ الْأَخْذُ مِنْهُمْ وَإِخْرَاجُهُمْ فَأَفَادَهُ مَالِكٌ أَنَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ الْإِشْرَاكُ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ لِصَلَاةٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ نَذَرَ الْمَشْيَ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بَلْ وَلَوْ لِصَلَاةٍ فَلَيْسَ الصِّيَامُ وَالِاعْتِكَافُ دَاخِلَيْنِ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ بَلْ هُمَا مُسَاوِيَانِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَفْلًا) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الصَّلَاةَ بِالْفَرْضِ لِمُضَاعَفَةِ الْأَجْرِ فِيهَا بِخِلَافِ النَّفْلِ أَوْ لِأَنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوَابَ الشُّمُولُ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَأَنَّ الْمُضَاعَفَةَ بِمَكَّةَ حَاصِلَةٌ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَنِثَ خَصَّهُ بِالْفَرْضِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْفَرْضِ مَذْهَبُ الْغَيْرِ مُحَشِّي تت.
(تَنْبِيهٌ) : إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ لِلصَّلَاةِ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِحْرَامِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ بِقَيْدِ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا لَمْ يَلْحَقْهَا ضَرَرٌ يُظَنُّ بِهِ انْكِشَافُهَا وَلَمْ يَخْشَ مِنْهَا الْفِتْنَةَ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهَا الْمَشْيُ بَلْ رُبَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ فِي الْأُولَى) أَيْ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ وَمَشَى لِمَسْجِدِ مَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ وَلَوْ لِصَلَاةٍ.
(قَوْلُهُ فِي إيَابِهِ) أَيْ رُجُوعِهِ وَقَوْلُهُ وَيَمْشِي مِنْهُ أَيْ مِنْ الْحِلِّ إلَى مَكَّةَ.
(قَوْلُهُ التَّشْبِيهُ تَامٌّ) أَيْ فَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ لِصَلَاةٍ (قَوْلُهُ كَالْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ الْخَارِجَ عَنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْحَجَرِ كَذَا قَالَ عج وَقَالَ مُحَشِّي تت مُرَادُهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَأَمَّا الْحِجْرُ بِسُكُونِ الْجِيمِ فَنَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ فِيهِ وَنَازَعَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ بَحْثًا لَا نَصًّا وَلِذَا حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا ضُبِطَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَوِي إلَخْ) قَضِيَّةُ حِلِّ الشَّارِحِ أَوَّلًا حَيْثُ جَعَلَ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ وَمَا بَعْدَهَا الصَّلَاةَ وَمِثْلُهَا الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَمْ يُلَاحِظْ شَيْئًا أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ اللُّزُومُ وَيُؤْخَذُ الْجَوَابُ مِنْ شَرْحِ شب فَإِنَّهُ قَالَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ لِصَلَاةٍ أَنَّ مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ نَاوِيًا مُجَرَّدَ الْوُصُولِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قُرْبَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ اهـ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدِ مَكَّةَ إنْ نَوَى مُجَرَّدَ الْوُصُولِ