بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ الْمُبَاحُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمَكْرُوهُهَا وَمُحَرَّمُهَا مِنْ حَيَوَانَاتٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ)

وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ (ص) الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُبَاحَ تَنَاوُلُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا طَعَامٌ طَاهِرٌ وَلَا عَكْسَ، فَخَرَجَ النَّجِسُ بِنَفْسٍ كَالْبَيْضِ الْمَذِرِ أَوْ بِمُخَالَطَةِ غَيْرِهِ كَالْأَطْعِمَةِ الْمَائِعَةِ إذَا خُولِطَتْ بِنَجِسٍ؛ وَالْجَامِدَةِ إذَا أَمْكَنَ السَّرَيَانُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِهِ. وَدَخَلَ كُلُّ طَاهِرٍ مِنْ جَامِدٍ وَمَائِعٍ حَتَّى اللَّحْمُ النِّيءُ وَدَخَلَ كُلُّ مَشْرُوبٍ حَتَّى الْبَوْلُ مِنْ الْمُبَاحِ.

(ص) وَالْبَحْرِيُّ وَإِنْ مَيِّتًا (ش) أَيْ وَالْمُبَاحُ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ كُلِّهِ وَإِنْ مَيِّتًا سَوَاءٌ وُجِدَ رَاسِبًا فِي الْمَاءِ أَوْ طَافِيًا أَوْ فِي بَطْنِ حُوتٍ أَوْ طَيْرٍ وَسَوَاءٌ ابْتَلَعَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَمَاتَ فِي بَطْنِهِ وَيُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ وَسَوَاءٌ صَادَهُ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ الْبَحْرِيَّ آدَمِيَّ الْمَاءِ وَكَلْبَهُ وَخِنْزِيرَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا عَدَاهُ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.

(ص) وَطَيْرٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الطَّيْرَ كُلَّهُ مُبَاحُ الْأَكْلِ سَوَاءٌ أَكَلَ الْجِيفَةَ أَوْ لَا وَلِهَذَا بَالَغَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ جَلَّالَةً) أَيْ ذَوَاتِ الْحَوَاصِلِ مِنْ الطَّيْرِ الَّتِي تَأْكُلُ الْجِيَفَ وَالْجَلَّالَةُ لُغَةً الْبَقَرَةُ الَّتِي تَتْبَعُ النَّجَاسَاتِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَسْتَعْمِلُ النَّجَاسَةَ اهـ فَالتَّنْوِينُ فِي الطَّيْرِ وَمَا بَعْدَهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: 14] وَلَوْ عَرَّفَ الْجَمِيعَ كَانَ أَوْلَى.

(ص) وَذَا مِخْلَبٍ وَنَعَمٍ (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ جَمِيعَ الطَّيْرِ مُبَاحٌ أَكْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا مِخْلَبٍ كَالْبَازِ وَالْعِقَابِ وَالصَّقْرِ وَالرَّخَمِ، وَالْمِخْلَبُ لِلطَّائِرِ وَالسَّبُعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ وَمِنْ الْمُبَاحِ النَّعَمُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَلَوْ جَلَّالَةً وَلَوْ تَغَيَّرَ لَحْمُهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَبِاتِّفَاقِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ.

(ص) وَوَحْشٌ لَمْ يَفْتَرِسْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْوَحْشَ الَّذِي لَمْ يَفْتَرِسْ أَيْ لَمْ يَعُدْ كَحُمُرِ الْوَحْشِ وَالْغِزْلَانِ وَالضَّبِّ مُبَاحُ الْأَكْلِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْمُفْتَرِسِ كَالْأَسَدِ وَالِافْتِرَاسُ لَيْسَ خَاصًّا بِمَنْ يَفْتَرِسُ الْآدَمِيَّ بَلْ هُوَ عَامٌّ، وَالْعَدَّاءُ خَاصٌّ بِمَنْ يَعْدُو عَلَى الْآدَمِيِّ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (ص) كَيَرْبُوعٍ وَخُلْدٍ وَوَبْرٍ وَأَرْنَبٍ وَقُنْفُذٍ وَضَرْبُوبٍ وَحَيَّةٍ أُمِنَ سُمُّهَا وَخَشَاشِ أَرْضٍ (ش) تَمْثِيلًا لِمَا لَا يَفْتَرِسُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا بِهِ وَيَكُونُ الْمِثَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْمُبَاحِ) (قَوْلُهُ وَمَكْرُوهِهَا إلَخْ) عُطِفَ عَلَى الْمُبَاحِ وَقَوْلُهُ مِنْ حَيَوَانَاتٍ وَغَيْرِهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَالْمَكْرُوهَ مِنْهَا وَالْمُحَرَّمَ مِنْهَا يَكُونُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَمِنْ غَيْرِهَا وَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَأْتِي فِي الْبَابِ يُقَالُ لَهُ طَعَامٌ فَالْبَغْلُ وَالطِّينُ وَالْخِنْزِيرُ وَشَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ طَعَامٌ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالطَّعَامِ مَا يُمْكِنُ إسَاغَتُهُ فِي الْحَلْقِ فَالشَّرَابُ ظَاهِرٌ وَالْخِنْزِيرُ وَنَحْوُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِطْعَةُ لَحْمٍ وَتُؤْكَلُ وَقَوْلُهُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ الْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُحَرَّمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مِنْ خُصُوصِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَيْ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهِ مُبَاحًا وَمَكْرُوهًا وَمُحَرَّمًا وَقَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُبَاحُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ هَذَا مَا يُفَادُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ قَالَ الْمُبَاحُ طَعَامٌ طَاهِرٌ وَكَذَا وَكَذَا فَالطَّعَامُ الطَّاهِرُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاحِ وَلَيْسَ بِحَيَوَانٍ أَصْلًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْمُبَاحَ الطَّاهِرَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَهَذَا قَطْعًا غَيْرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ الْمُبَاحُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الَّذِي مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ طَعَامٌ طَاهِرٌ) أَيْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَخَرَجَ الْمَغْصُوبُ كَذَا فِي عب وَلَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُبَاحِ فِي ذَاتِهِ (قَوْلُهُ تَنَاوَلَهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ) وَيَأْتِي مَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ لِلضَّرُورَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيْتَةَ لِلْمُضْطَرِّ لَيْسَتْ بِطَاهِرَةٍ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا عَكْسَ) أَيْ وَلَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُبَاحًا كَالسُّمِّ أَيْ وَالْجَرَادُ الْمَيِّتُ فَالْعَكْسُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى اللَّحْمُ النِّيءُ) أَيْ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ أَيْ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا.

(قَوْلُهُ وَالْبَحْرِيُّ) لَوْ نُكِّرَ لَكَانَ أَخْصَرَ وَلِيُنَاسِبَ الْعَطْفَ وَأَلْ لِلِاسْتِغْرَاقِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَيِّتًا) رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ.

(فَائِدَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ طَاهِرَةٌ وَلَوْ تَغَيَّرَتْ وَنَتُنَتْ كَالْمُلُوحَةِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ ضَرَرُهَا فَتَحْرُمُ لِذَلِكَ لَا لِنَجَاسَتِهَا وَكَذَلِكَ الْمُذَكَّى ذَكَاةً شَرْعِيَّةً طَاهِرٌ وَلَوْ تَغَيَّرَ وَنَتُنَ وَيُؤْكَلُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ضَرَرُهُ ذَكَرَهُ عج فِي جَوَابِ قَوْلِهِ رَاسِبًا بِالْبَاءِ وَهُوَ مَا يَنْزِلُ فِي قَعْرِ الْبَحْرِ مَثَلًا وَالطَّافِي هُوَ الَّذِي يَرْتَفِعُ وَيَعْلُو عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ يُبَيِّنُ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ مِنْهُ وَكَذَا يُبَيِّنُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي بَطْنِ طَيْرٍ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ الشُّمُولُ لِمَا سَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَخِيرَيْنِ بَلْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُخَصَّصٌ لِمَا يَأْتِي، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ وَأَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِلْجِنْسِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ آدَمِيَّ الْمَاءِ) أَيْ خِلَافًا لتت الْقَائِلُ بِمَنْعِ أَكْلِهِ (قَوْلُهُ وَمَا عَدَاهُ) أَيْ مِنْ كَرَاهَةِ كَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ.

(قَوْلُهُ وَطَيْرٌ) أَيْ إلَّا الْوَطْوَاطَ فَيُكْرَهُ أَكْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَرَجِيعُهُ نَجِسٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَرَفَ الْجَمِيعَ لَكَانَ أَوْلَى) لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَلْ وَانْظُرْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ التَّنْوِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ هَلْ يُسَلَّمُ.

(قَوْلُهُ الْمَشْهُورُ إلَخْ) وَمُقَابِلُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُؤْكَلُ كُلُّ ذِي مِخْلَبٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُؤْكَلُ الْمَنْعُ وَقَالَهُ فِي الْإِكْمَالِ وَحَكَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ كَرَاهَةَ أَكْلِ ذِي مِخْلَبٍ (قَوْلُهُ كَالْبَازِ) بِغَيْرِ يَاءٍ فِي نُسْخَتِهِ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ بَازٍ وَبَازٍ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ غَيْرُ الصَّقْرِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ) وَقِيلَ إنَّ الْحَيَوَانَ الَّذِي يُصِيبُ النَّجَاسَةَ لَحْمُهُ وَعَرَقُهُ وَلَبَنُهُ وَبَوْلُهُ نَجِسٌ بَهْرَامُ.

(قَوْلُهُ وَخُلْدٍ) مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا (قَوْلُهُ وَخَشَاشِ أَرْضٍ) وَدَخَلَ فِيهِ الْوَزَغُ وَالسِّحْلِيَّةُ وَشَحْمَةُ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمُبَاحِ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَتُهَا نَجِسَةً لَا يُبَاحُ أَكْلُهَا إلَّا بِالذَّكَاةِ لَكِنْ ذَكَرَ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْوَزَغَ لَا يُؤْكَلُ هُوَ لَعَلَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ السُّمِّ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خَشَاشَ الْأَرْضِ مُحْتَاجٌ إلَى ذَكَاةٍ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الدُّودُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015