أَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي زَمَنٍ أَخَّرَ إلَيْهِ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ لَا وُجُوبًا وَلَا نَدْبًا

(ص) وَصَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (ش) أَيْ: زِيَادَةً عَلَى الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَحَبَّانِ مُسْتَقِلَّانِ أَيْ: يُسْتَحَبُّ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ لِخَبَرِ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثَةٍ لَا أَدَعُهُنَّ: بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» وَكَانَ صِيَامُ مَالِكٍ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَحَادِي عَشَرِهِ وَحَادِي عَشَرَيْهِ (ص) وَكُرِهَ كَوْنُهَا الْبِيضَ (ش) يَعْنِي: أَنَّهُ يُكْرَهُ صِيَامُ أَيَّامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ: ثَالِثَ عَشَرَ الشَّهْرِ وَتَالِيَاهُ وُصِفَتْ اللَّيَالِي بِذَلِكَ لِبَيَاضِهَا بِالْقَمَرِ وَإِنَّمَا كُرِهَ صِيَامُهَا مَخَافَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا وَفِرَارًا مِنْ التَّحْدِيدِ، وَهَذَا إذَا قَصَدَ تَعْيِينَهَا أَمَّا لَوْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاتِّفَاقِ فَلَا، ثَمَّ شَبَهٌ فِي الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ: (كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) خَوْفَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا، وَهَذَا إذَا صَامَهَا مُتَّصِلَةً بِرَمَضَانَ مُتَوَالِيَةً مُظْهِرًا لَهَا مُعْتَقِدًا سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَنْزِلِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّوْمِ: الْوِصَالُ وَالدُّخُولُ عَلَى الْأَهْلِ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِنَّ، وَفُضُولُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَإِدْخَالُ الْفَمِ كُلَّ رَطْبٍ لَهُ طَعْمٌ، وَإِكْثَارُ النَّوْمِ نَهَارًا قَالَهُ عِيَاضٌ وَابْنُ جُزَيٍّ

. (ص) وَذَوْقُ مِلْحٍ وَعِلْكٍ ثُمَّ يَمُجُّهُ (ش) ذَوْقُ الطَّعَامِ اخْتِبَارُ طَيِّبِهِ، وَالْعِلْكُ اسْمٌ يَعُمُّ كُلَّ صَمْغٍ يُمْضَغُ جَمْعُهُ عُلُوكٌ وَبَائِعُهُ عَلَّاكٌ وَقَدْ عَلَكَ يَعْلُكُ - بِضَمِّ اللَّامِ - عَلْكًا - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - أَيْ: مَضَغَهُ وَلَاكَهُ، وَمَجَّ الرَّجُلُ الشَّرَابَ مِنْ فِيهِ إذَا رَمَى بِهِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَنْ يَذُوقَ الْمِلْحَ لِلطَّعَامِ ثُمَّ يَمُجَّهُ خَوْفَ السَّبْقِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ ذَوْقُ الْعَسَلِ وَالْخَلِّ أَوْ مَضْغُ الطَّعَامِ لِلصَّبِيِّ أَوْ مَضْغُ اللِّبَانِ أَوْ الْعِلْكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمُجُّهُ فَقَوْلُهُ: وَذَوْقُ مِلْحٍ أَيْ: وَتَنَاوُلُ مِلْحٍ لِيَصِحَّ تَسَلُّطُهُ عَلَى عِلْكٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُذَاقُ وَإِنَّمَا يُمْضَغُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ:

عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

أَيْ: أَنَلْتهَا وَتَقْدِيرُ مَضْغٍ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ

. (ص) وَمُدَاوَاةُ حَفَرٍ زَمَنَهُ (ش) الْحَفَرُ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَرَضٌ بِالْأَسْنَانِ وَهُوَ فَسَادُ أُصُولِهَا يَعْنِي: أَنَّهُ يُكْرَهُ مُدَاوَاةُ الْحُفَرِ زَمَنَ الصَّوْمِ وَهُوَ النَّهَارُ أَشْهَبُ إلَّا إذَا كَانَ فِي صَبْرِهِ إلَى اللَّيْلِ ضَرَرٌ، كَمَا أَشَارَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا قَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ مِنْ الْمَذْهَبِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْمَوَّاقِ، وَأَمَّا الْعَطَشُ فَنَصَّ ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْفِدْيَةِ لَهُ، قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ مَعْنَى مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا إطْعَامَ عَلَيْهِ وَاجِبًا وَحُكِيَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ اهـ. فَسَقَطَ تَوَرُّكُ الْمَوَّاقِ عَلَى الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ اللَّخْمِيَّ قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَضَاءُ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاعْتَمَدَهُ الْأُجْهُورِيُّ فَقَالَ: مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَشْيَاخِ وَكَلَامِ الْمَوَّاقِ أَنَّ الرَّاجِحَ لَا فِدْيَةَ عَلَى الْمُتَعَطِّشِ بِحَالٍ اهـ

(قَوْلُهُ: خَلِيلِي) أَيْ: الَّذِي امْتَلَأَ قَلْبِي مِنْ حُبِّهِ (قَوْلُهُ: «وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» ) أَيْ: لِكَوْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ مَشْغُولًا بِدَرْسِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ صِيَامُ مَالِكٍ إلَخْ) إنَّمَا كَانَ مَالِكٌ يَصُومُ تِلْكَ الْأَيَّامَ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ بِحَسَنَةٍ وَهِيَ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَالْحَادِيَ عَشَرَ أَوَّلُ الْعَشَرَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَوَّلُ الثَّالِثَةِ، وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ بِأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ، ثُمَّ يُقَالُ: لَا يَخْفَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَحْدِيدًا فَيُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ الْعَامِّيِّ الْوُجُوبَ وَهُوَ إمَامٌ (قَوْلُهُ: صِيَامُ أَيَّامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ) أَيْ: فَقَدْ حُذِفَ الْمُضَافُ إلَى الْمَوْصُوفِ وَالْمَوْصُوفُ (قَوْلُهُ: كَسِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) فِي خَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ فَشَهْرُ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ تَمَامُ السَّنَةِ» الْقَرَافِيُّ الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ عُمُرُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ الشَّارِعُ مِنْ شَوَّالٍ لِلتَّخْفِيفِ بِاعْتِبَارِ الصَّوْمِ لَا تَخْصِيصِ حُكْمِهَا بِذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِعْلَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مَعَ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الصِّيَامِ فِيهِ أَحْسَنُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ حِيَازَةِ فَضْلِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ فِعْلُهَا فِي ذِي الْقِعْدَةِ حَسَنٌ أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا بَعُدَ زَمَنُهُ كَثُرَ ثَوَابُهُ لِشِدَّةِ الْمَشَقَّةِ.

(قَوْلُهُ: خَوْفَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا) أَيْ: أَوْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إلَخْ) أَيْ: وَإِلَّا بِأَنْ انْتَفَى كُلُّهَا، أَوْ بَعْضُهَا فَلَا كَرَاهَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ اتِّصَالِهَا يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لَهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَالدُّخُولُ عَلَى الْأَهْلِ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الزَّوْجَةَ وَالسُّرِّيَّةَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ السُّنِّيَّةَ، وَإِنَّمَا اعْتَقَدَ النَّدْبَ لَا يُكْرَهُ وَأَقَلُّ مَا هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مُطْلَقَ الطَّلَبِ وَحُرِّرَ

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَمُجُّهُ) مِنْ تَتِمَّةِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ: فَيُقْرَأُ بِالنَّصْبِ كَمَا هُوَ مُفَادُ الشَّارِحِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا فَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ أَيْ: يَمُجُّهُ وُجُوبًا فِيمَا يَظْهَرُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ وَلَمْ يَبْتَلِعْ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْغُرُوبِ هَلْ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ وُصُولِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى حَلْقِهِ أَمْ لَا؟ وَعَلَكَ مِنْ بَابِ قَتَلَ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: كُلَّ صَمْغٍ يُمْضَغُ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْعِلْكُ وِزَانُ حِمْلٍ كُلُّ صَمْغٍ يُعْلَكُ مِنْ لِبَانٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَسِيلُ، وَالْجَمْعُ عُلُوكٌ وَأَعْلَاكٌ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعِلْكِ كُلَّ شَيْءٍ وُضِعَ تَحْتَ الْأَضْرَاسِ لَا يَذُوبُ، بَلْ يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.

(قَوْلُهُ: إذَا رَمَى بِهِ) أَيْ: رَمَاهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَعْتَرِضُ عَلَى الشَّارِحِ فِي تَعْبِيرِهِ بِصَمْغٍ؛ لِأَنَّ الصَّمْغَ لَا يَتَنَاوَلُ اللِّبَانَ وَنَحْوَهُ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ فَرْضًا، أَوْ نَفْلًا أَنْ يَذُوقَ الْمِلْحَ لِلطَّعَامِ ثُمَّ يَمُجَّهُ) أَيْ: وَلَوْ لِصَانِعٍ يَحْتَاجُ لِذَوْقِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْعِلْكِ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِلْكَ عَامٌّ فَلَا يُنَاسِبُ عَطْفَهُ عَلَى اللِّبَانِ (قَوْلُهُ: وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّ الْعِلْكَ يَعُمُّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَتَقْدِيرُ مَضْغٍ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ) أَيْ: بِخُصُوصِهِ قَدْ يُقَالُ: عَدَمُ صِحَّةِ التَّسَلُّطِ قَرِينَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَضْغٍ.

(قَوْلُهُ: زَمَنَهُ) مَفْهُومُ زَمَنَهُ جَوَازُ مُدَاوَاتِهِ لَيْلًا فَإِنْ وَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى حَلْقِهِ نَهَارًا فَهَلْ يَكُونُ كَهُبُوطِ الْكُحْلِ نَهَارًا أَمْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هُبُوطَ الْكُحْلِ لَيْسَ فِيهِ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الْجَوْفِ بِخِلَافِ دَوَاءِ الْحَفَرِ.

(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْفَاءِ) أَيْ: وَسُكُونِهَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015